السوريون الخمسة الذين هربوا من أبو الموت
- ranarashad
- Sep 15, 2013
- 3 min read
Updated: Apr 9, 2021

من بين جميع الأهوال والفظائع التي وثّقتُها في معرض عملي الحقوقي، تبقى حكاية "الهروب من الجحيم"[1] بأبطالها الخمسة، وشخصية المسخ "المقدّم أبو الموت" الذي كان مشرفًا على تعذيبهم وإعدام زملائهم، من بين الحكايت التي أستعيدها يومياً، رغم غزارة الانتهاكات الأخرى وحجم فظاعاتها، وآخرها قتل العائلات بالجملة في الغوطة الشرقية بالسارين القاتل
رغم قسوة الشهادات التي أدلى بها الهاربون الخمسة في معرض إعدادنا في مركز التوثيق لتقريرٍ حول ما حصل، كان الموعد معهم بمثابة إحساس بالخلاص رؤيتهم على قيد الحياة، محاولة تفسير ما حصل، والذي لا يمكن أن يندرج إلا في إطار المعجزة، أو إرادة الحياة في وجه "أبو الموت" كممثل لما شكّله نظام الأسد طيلة عقود وخلال سنتين ونصف السنة من عمر الثورة
من بين جميع الجلادين الذين نكّلوا بالمعتقلين الخمسة وبالمئات الآخرين في فرع جوية حرستا، كان "المقدم أبو الموت" رمزاً صافياً لجهنم التي فقد السوريون أكثر من مئة ألف روح في محاولة لكسر بواباتها ومغادرتها منذ بدء الثورة
المقدم معن، الملقّب "أبو الموت"، هو عزرائيل، هو القوة المطلقة، مانح الموت بأشكاله الأكثر فظاعة. نقيض لكل ما هو إنساني ويمتّ للحياة بصلة
كان "أبو الموت" يستدعي المعتقلين الذي مرّ على اعتقالهم أكثر من سنة في جوية حرستا، لإخبارهم بأنهم سيذهبون إلى الأعمال الشاقة لحفر الخنادق وبناء المتاريس لجيش النظام، حتى إذا انهارت قواهم الجسدية تحت وطأة التعذيب المستمر والشغل الشاق، قام بإعدامهم بعد "التسلية" بمزيد من تعذيبهم
لكنه لا يفعل ذلك إلا ضمن طقوس خاصة، تقضي باستدعاء المعتقل الذي جرى اختياره للموت القادم، وإجباره على تقبيل يده جاثيا، ثم وضع يده على حنجرة المعتقل وحبس نفسه لعدة دقائق، في تدريب على الموت وتثبيت لسلطة قبض الحياة التي أوكله إياها نظام الأسد
يقول أحد الناجين في شهادته حول لقائه الأول بأبي الموت
وجاء ضابط قصير القامة ملتحٍ يدعى معن، برتبة مقدم وكان يلقب بـ"أبو الموت"، عندما أطل علينا قال لنا: كيف الشباب؟ قلنا له الحمد لله، قال لنا : بحب عرفكم على حالي، أنا عزرائيل، أو ليش عزرائيل، أنا الله، ستذهبون معي إلى ديار الحق، لكن باعتبار أنني الله سأطيل بأعماركم بضعة أيام
تمكن المعتقلون الخمسة من الهرب في ليلة القدر من رمضان الفائت، أثناء عملهم في الأشغال الشاقة بالقرب من الفرع قال أحدهم إنه لم يكن لعاقل أن يحاول هذه المحاولة، كان ذلك جنونا خالصًا، فنقاط الحرس من حولنا والنيران انهمرت علينا كالأمطار. لكنّ ما شاهدناه في الفرع جعلنا نفقد عقولنا. وإلا لما قمنا بمحاولة الهرب
أليس السوريون الثائرون جميعا هم المعتقلون الخمسة كي يتمردوا على "أبو الموت" قبل سنتين ونصف؟ لم يكن لعاقل أن يفكر بالتمرد على أعتى الأنظمة وحشية، والاستمرار في هذا التمرد رغم ما أبداه العالم أجمع من رغبة في انتهاء الثورة واستنكاف عن دعم الثوار وضرب عرض الحائط بمعاناة شعب بأكمله.ينشر الإعلام الغربي مؤخراً صوراً لجماعات جهادية تقوم بإعدامات بالسلاح الأبيض، ويرى في ذلك قمة البربرية، ويبدو مصدوماً ومخدوش المشاعر تجاه تلك القسوة. لكنّ أحداً لا يملك صوراً للمقدم "أبو الموت" وهو يربط كيساً مملوءاً بالمياه بالعضو الذكري لأحد المعتقلين أثناء تعذيبه. لا أحد يملك صوراً للمقدم "أبو الموت" وهو يفرغ بارود رصاصة على صدر معتقل ويشعل بها النار. لا أحد يملك صوراً للمقدم "أبو الموت" وهو يشعل أكياس النايلون ويجعلها تنقط على جسد المعتقل. لا أحد يملك صوراً تفوح منها رائحة اللحم المحترق حين كان المقدم أبو الموت يفرغ العصا الكهربائية في جسد المعتقل. ولا أيضا صورا للمعتقل قبيل إعدامه وهو يتوسل شربة ماء. جميع من أعدموا ماتوا وهم عطشى
أليس السوريون الثائرون جميعا هم المعتقلون الخمسة كي يتمردوا على "أبو الموت" قبل سنتين ونصف؟ لم يكن لعاقل أن يفكر بالتمرد على أعتى الأنظمة وحشية، والاستمرار في هذا التمرد رغم ما أبداه العالم أجمع من رغبة في انتهاء الثورة واستنكاف عن دعم الثوار وضرب عرض الحائط بمعاناة شعب بأكمله.ينشر الإعلام الغربي مؤخراً صوراً لجماعات جهادية تقوم بإعدامات بالسلاح الأبيض، ويرى في ذلك قمة البربرية، ويبدو مصدوماً ومخدوش المشاعر تجاه تلك القسوة. لكنّ أحداً لا يملك صوراً للمقدم "أبو الموت" وهو يربط كيساً مملوءاً بالمياه بالعضو الذكري لأحد المعتقلين أثناء تعذيبه. لا أحد يملك صوراً للمقدم "أبو الموت" وهو يفرغ بارود رصاصة على صدر معتقل ويشعل بها النار. لا أحد يملك صوراً للمقدم "أبو الموت" وهو يشعل أكياس النايلون ويجعلها تنقط على جسد المعتقل. لا أحد يملك صوراً تفوح منها رائحة اللحم المحترق حين كان المقدم أبو الموت يفرغ العصا الكهربائية في جسد المعتقل. ولا أيضا صورا للمعتقل قبيل إعدامه وهو يتوسل شربة ماء. جميع من أعدموا ماتوا وهم عطشى
يفضل العالم التعامل مع بشار الأسد، النموذج الأعلى لـ"أبو الموت" ومانحه سلطة سلب الحياة من أصحابها، وأن يطيل بقاءه ويغضّ النظر عن آلاف من نسخ "المقدّم أبو الموت" التي أمعنت تنكيلاً وتعذيباً وقتلاً بالسوريين طيلة سنتين ونصف، ثم يتعجّب وتتأذّى مشاعره المرهفة من رؤية جماعات مرتبطة بـ"القاعدة" تنتشر ويقوى عودها في مناطق محررة، وتمارس إعداماتها الاستعراضية بشكل علني وبالسلاح الأبيض
تمكّن أحمد حمادة، لؤي بللور، فواز بدران، حسان نصرالله، وموفق الجندلي من الهرب من جهنم "المقدّم أبو الموت". كان ذلك أشبه بمعجزة. بتنحية حسابات العقل جانباً والمغامرة بموت أقل قسوة من الموت عطشًا، وبأجساد مزقها التعذيب ورصاصات المقدم معن
كلما لفّني اليأس أستحضر حكاية الخمسة الناجين، ربما، لعل وعسى، يكون لدينا الوقت لأن نشهد معجزة هروبنا الجماعي من جحيم "أبو الموت" في يوم قريب
(source)
Comments