كتائب من "الجيش الحر" تكمّ أفواه ناشطين مدنيين
في بداية الثورة، كان النظام السوري يستهدف بشكل خاص، رموز الحراك السلمي من النشطاء المدنيين وقياداتهم، فضرب على سبيل المثال بيد من حديد في داريا رمز الحراك اللاعنفي، ولا يزال حتى اليوم المئات من نشطائها قيد الاختفاء القسري منذ أكثر من سنتين
واليوم بعد أن قويت شوكة بعض الكتائب التابعة للجيش السوري الحر في المناطق المحررة، نراها تستهدف أول من تستهدف النشطاء المدنيين قليلي العدد أصلا، حيث إن معظمهم استشهد، أو لا يزال في المعتقلات، أو غادر البلاد إلى الملاجئ والمنافي
ترك أولئك في الكتائب معركتهم مع النظام وطائراته الحربية وأسلحته الكيماوية واتجهوا لقمع الأفواه وتهجير من تبقى من نشطاء وإعلاميين. لم يعد الأمر مجرد حوادث عابرة، بل تحول في بعض المناطق إلى ممارسات ممنهجة تنذر بالأسوأ
فمنذ منتصف حزيران الماضي وحتى اللحظة، وثّق مركز توثيق الانتهاكات في سوريا أكثر من ثلاثين حالة خطف واعتقال تعسفي واعتداء بالضرب على نشطاء وإعلاميي الثورة، من الرقة إلى حلب وأريافها، إلى ادلب ودرعا ودير الزور وريف دمشق، رغم أن الأرقام تُظهر بوضوح أن هذه الظاهرة متفشية بشكل كبير في كل من الرقة وحلب بالدرجة الأولى
أما الجهات التي تقوم بالانتهاكات فتأتي في مقدمها "الدولة الاسلامية في الشام والعراق"، بينما تتوزع بقية الانتهاكات على "جبهة النصرة" وكتائب في الجيش الحر والهيئات الشرعية بالتساوي تقريبا
وخلال الأيام القليلة الماضية وقعت حادثتا اعتداء بالضرب المبرح على نشطاء معروفين بعد اقتحام مقرات التنسيقيات التابعين لها، في كل من سراقب من قبل جهة مجهولة يعتقد أنها "داعش"، وفي مدينة عربين بريف دمشق من قبل أحد ألوية الجيش الحر. وفيما لا يزال سبب الاعتداء الأول مجهولا بسبب عدم معرفة الملثمين الذين قاموا بالاعتداء، فكان سبب الاعتداء الثاني "احتجاج" اللواء على تقرير صحافي قامت به التنسيقية
في حالات أخرى، تلقى عدد من النشطاء المدنيين تهديدات بالتصفية والانتقام على خلفية ظاهرة صفحات الانتقاد الساخرة للكتائب والقيادات السياسية والعسكرية على موقع التواصل الاجتماعي "فايسبوك". بينما تعرض نشطاء آخرون للاعتقال والتهديد بسبب التعبير الحر عن آرائهم أو بسبب مشاركتهم في تظاهرات احتجاجية ضد إدارات المناطق المحررة أو بسبب الإفصاح عن اتجاهاتهم المخالفة لاتجاهات تلك الإدارات، كما حصل حين اتُهم أحد النشطاء الذين اعتقلوا من قبل الهيئة الشرعية في حلب بأن "تهمته فكرية" لأنه علماني
اذا لم يكن كل ما حصل ويحصل سيدفع بأهل الثورة ورموزها لقرع ناقوس الخطر، فالقادم سيكون أسوأ بما لا يقاس. سلطة الاعتقال التعسفي والخطف وحتى التصفية بيد أولئك المستبيحين لحقوق الناس وكرامتهم، تهدد بترسيخ ممارسات استبدادية جديدة وتصيب قلب الثورة في مقتل إن لم يتم التصدي لها بقوة وحزم وبتضامن واسع من أهل الثورة على امتداد البلاد. فما يحصل في الرقة أو حلب قد يتكرر في أية لحظة في بقية المناطق المحررة لتصبح الحرية والكرامة استثناء على قاعدة الاستباحة والتعسف
(source)