كهرباء سوريا: الحلول المطروحة تلعن الظلام ولا تضيء الشموع
كيف يمكن لاحتراق اللهب الآخير من الشمعة أن يكون علامة فارقة في يومك ؟! أولاً ستندم شديد الندم بأنك لم تحضر شمعة أخرى قبل انطفاء الأولى. ثانياً سوف تندم مرة أخرى لأنك انشغلت بكتابة ترهات على جهاز "اللابتوب" حتى انتهى ما تبقّى من طاقته الكهربائية٬ بدل أن تستخدم "نوره" في إحضار شمعة أخرى. ثالثاً ستندم من جديد لأنّك فضّلت استغلال ما كان من طاقة في "اللابتوب" كما لهب الشمعة في كتابة الترهات إيّاها، وتأجيل الذهاب الى الحمام أو إحضار كأس ماء. أخيراً سوف تدرك كيف انبثقت مقولة "أن تضيء شمعة خير من أن تلعن الظلام".
لا شكّ أن صاحب هذه الشمعة كان يقطن في منطقة شبيهة بالمناطق المحررة في سوريا، حيث القصف جواً وبرًا وحيث قطع الكهرباء بالكامل منذ أشهر طويلة - نحو ثمانية أشهر في مدن وبلدات الغوطة الشرقية على سبيل المثال.
البديل الوحيد هو المولّدات التي تعمل على البنزين٬ فمولدات المازوت كبيرة الحجم وغالية السعر فضلا عن ندرة مادة المازوت.
يبلغ سعر ليتر البنزين وسطيًا 130 ليرة سورية٬ وهو يشغّل المولّد لمدة ساعة ونصف الساعة تقريبًا بما يكفي لتشغيل عدد من اللمبات وأجهزة الكمبيوتر وسواها. أما الثلاجة والغسّالة وأجهزة التدفئة والتكييف فهي أحلام بعيدة تكتفي بتذكرها بالكثير من الحنين والعرفان.
معظم العائلات غير قادرة على تحمل تكاليف المولدات٬ فهناك مصاريف أخرى أجدى. تعبئة أنبوبة الغاز يكلّف وسطيًا 2200 ليرة٬ أي أكثر بخمسة أضعاف مما كان عليه في السابق. تعبئة خزانات المياه٬ شراء المازوت لتسخين الماء للاستحمام... وغيرها من الأساسيات التي لا ترقى الى ترف الكهرباء.
جميع المدارس انتقلت الى الأقبية لحماية التلاميذ من القصف العشوائي. بمجرد الدخول الى أيّ مدرسة ستبذل جهداً كبيراً كي لا تبدو وقحاً في ردّة فعلك الأولية٬ حيث يكاد المكان يخلو من الهواء. المولّدات بالكاد تكفي لإنارة "الصفوف" ولا مجال للحديث عن منقيات هواء أو أجهزة تكييف.
إنه أمر عادي جداً أن ينتهي وقود المولّد فجأة٬ أو يصيبه عطل ما٬ وبدل أن تقوم "الآنسة الشريرة" بصرف التلاميذ الى المنازل، كما بالتأكيد يحلمون٬ تطلب منهم إخراج "البّيل" من حقائبهم لمتابعة الدرس !
جميع المهن التي تعتمد على الكهرباء توقفت عن العمل. جميع الحلول مكلفة ومؤقتة جداً. وجميعها غير مجدية في لهيب الصيف.
في بعض المناطق بدأت المجالس المحلية تخصيص مولّد كبير يعمل على المازوت لتوزيع خطوط كهرباء لمن يرغب من السكان بمبلغ 200 ليرة في اليوم مقابل التشغيل مدة أربع ساعات فقط يومياً.
عندما يحل منتصف الليل٬ ويصمت ضجيج المولدات القليلة التي كانت تعمل٬ يغرق المكان في الظلام حرفياً. وبعد أن ينطفئ لهب الشمعة الأخير تبدأ الأفكار "الظلامية" بالتوارد. ثمانية أشهر وجميع الحلول المطروحة محليًا بالكاد تضيء شمعة! وحيث هناك مبادرات لحلول أطول مدى٬ تجدها مطروحة وقيد العمل من قبل الكتائب المسلّحة٬ وفضلاً عن خطأ ذلك من حيث المبدأ٬ فهو يعني البطء الشديد في العمل عليها لحاجتها الى متفرغين وأخصائيين.
هل يعقل أنه ليس هناك من يساعد المجالس المحلية في المناطق المحررة على إيجاد حلول لتخفيف معاناة الناس بغياب الكهرباء؟ ألا يستحق ذلك فعلا لعن الظلام وأشياء أخرى كثيرة؟!
(source)