أعلن انضمامي لكتيبة البنائين
وتعسكرت الثورة. نحو أربعة آلاف شهيد في شهر تموز وحده. القتل بالجملة، قصفا وبالسكاكين. وأي تجمع للتظاهر هو هدف سهل للقوات المتعطشة للدماء والدمار
من كان ميالا أكثر للعمل غير العسكري ضمن الثورة، حسم أمره والتحق بكتائب الجيش الحر. البقية ممن لا تعد العمل العسكري إحدى خياراتها الشخصية، انكفأت إلى الانتظار والترقب
هؤلاء وهم ليسوا قلة، بل شكلوا أكثرية الثورة العددية والقيمية، ينتابهم إحساس غامر بالعجز. ما الذي يمكن أن نفعله وسط دوي المدافع، وما الذي يمكن ان يضاهى بصورة مقاتل يواجه الموت في كل لحظة، وما الذي يمكن أن يعمل جنبا إلى جنب مع بريق السلاح وهالته الراسخة
يزداد الاحساس بالعجز مع انتشار الجريمة وأعمال الخطف والتشليح التي تمارسها جماعات إجرامية مستغلة فوضى الأوضاع. ومع انتشار أعمال القتل الميداني والانتقام والتنكيل من قبل مقاتلين في الجيش الحر. ناهيك عن الأصابع الخفية لاستخبارات دولة مجاورة وغير مجاورة، ممن تحاول إيجاد موطئ قدم لها في سوريا بعد نظام الأسد
تبقى المساحة المتاحة للحراك غير العسكري ضيقة جدا، لكنها تزداد ضيقا مع تخلي أصحابها عنها وانكفائهم على أنفسهم. معركة التحرير الحالية تنذر بهدم كل شيء. ليست فقط مدن وأحياء بكاملها قد سويت بالأرض. روابط اجتماعية وقيم تمزقت بفعل اجرام سنة ونصف وتراكمات عقود قبله.
وحدها مجموعات شبابية صغيرة تحاول بما استطاعت ترميم «انشات» مما تهدم، وهي في مقابل ذلك تواجه بالسخرية او الامتعاض الصامت وأحيانا بالرفض العلني
صبايا داريا لم يتوقفن عند تغير المعطيات على الأرض في المدينة التي عرفت بالنشاط السلمي حتى قبل الثورة بسنوات. كل خطوة يقمن بها تحاول ترميم شيء من الخراب. لا يخرج عن ذلك النشاط الأخير لتجمع حرائر داريا، بتوزيع هدايا العيد على أطفال الشهداء، لكن أيضا على أطفال المخبرين الذين جرت تصفيتهم، بحيث لا ينشأ هؤلاء في بيئة ترفضهم وتحملهم وزر آبائهم وما أحاط بحياتهم من كراهية
اتحاد الطلاب الأحرار كثفوا مؤخرا حملاتهم من أجل التوعية بالسلامة المدنية ومواجهة أوضاع الحروب، والاحتقان الطائفي وسواه، عبر منشورات ومطبوعات وزعت على نطاق واسع في غير مكان من حماه ودرعا
بعض شبان التنسيقيات في غير مكان، عمدوا إلى طباعة وثيقة العهد الخاصة بالجيش الحر، وتوزيعها على الكتائب في مناطقهم بعد نقاش غني معهم.
هؤلاء وغيرهم، اعتبروا أنه الوقت الأكثر إلحاحا لأعمال بناء مشابهة، وهم يقومون بذلك في شروط هي الأصعب أمنيا من ناحية ولجهة الموقف من أنشطتهم من ناحية أخرى
من يتحجج بالعسكرة للانكفاء على نفسه، ومن يرفض مشاركات مماثلة بحجة أنها فذلكات لا تتلاءم و»جدية» السلاح، كلا الطرفين يحتاجان لإعادة نظر. ما يبدو اليوم بالغ الصعوبة لتحقيقه، قد يصبح غدا مستحيلا