اعترافات السيد العميد
كان مفاجئاً فعلاً نبأ أسر رئيس فرع مكافحة الارهاب في فرع فلسطين العميد منير شلبية. مثل هؤلاء الأشخاص، من أعمدة الأجهزة الأمنية التي ارتكبت جرائم لا تحصى قبل الثورة وأثناءها. تمكن عناصر الجيش الحر من أسره في قلب دمشق في عملية نوعية. وظهر يومها في فيديو قصير مع ضابط أمني آخر جرى أسره، لتغيب القصة أياما قبل أن تعود للواجهة في مقطع فيديو جديد بعنوان: "اعترافات العميد منير شلبية".
اعترافات العميد تعتبر "سبقا ثوريا" حقيقيا. هذا الشخص وأمثاله، يمتلكون من التفاصيل والأسرار حول العمليات القذرة للنظام داخل البلاد وخارجها ما لا يحصى أو يعد، خاصة لحساسية موقع العميد شلبية كرئيس لفرع مكافحة الارهاب، ما يعني تفاصيل حول عمليات النظام في دول مجاورة، وحقائق حول عملياته المفتعلة داخل البلاد، وغير ذلك من شؤون إرهاب النظام وجرائمه.
نبدأ مشاهدة الفيديو ونحن بانتظار "الاعترافات"، وتمضي الدقائق من غير أن نشاهد سوى إصرار العميد على إنكار جميع ما يواجهه به العنصر من الجيش الحر الذي لعب دور "المحقق".
يجبر هذا "المحقق" العميد على الهتاف ضد النظام بشكل كاريكاتوري في محاولة لإذلاله. ونشاهد طيلة الشريط صورة العميد وآثار الكدمات على وجهه، وعدم قدرته على الوقوف فيما يبدو أنه نتيجة "الفلقة"، وشتائم "المحقق" له فيما بقي هو مصرا طيلة الوقت على إنكار جميع التهم.
في المحصلة، كان فيديو اعترافات العميد، من غير اعترافات على الإطلاق. فضلا عن أنه أظهر الجيش الحر كجهة تمارس التعذيب بحق أسراها، وأظهر مجرما كرئيس فرع جهاز أمني، على أنه ضحية.
إن كان الهدف من الشريط مجرد الإذلال والسخرية من الشخص المأسور، فقد نجح في تحقيق الهدف بالكامل، لكنه أخفق في جميع الأهداف الأخرى التي وجب أخذها بعين الاعتبار.
أخفق أولا بالحصول على أي اعتراف حقيقي من قبل الأسير، بل على العكس، أكد عبر الشريط على إنكار جميع التهم رغم ما بدى على الشخص من آثار التعذيب.
أخفق ثانيا لأنه ضرب عرض الحائط بجملة مبادئ أخلاقية وقانونية وإنسانية. فحتى لو كان العميد قد أقر بأي اعتراف، فهو غير ذي قيمة مع آثار التعذيب التي بدت عليه، ما يجعلها اعترافات تحت الإكراه بالقوة لا قيمة لها قانونيا.
أخفق لأن المحقق تقمص شخصية العميد، وكأن التحقيق في فرع فلسطين الإرهابي، ذات الممارسات والألفاظ، التعذيب والشتائم، والإذلال وامتهان الكرامة.
وأخفق في التعامل إعلاميا وسياسيا مع حدث بهذا الحجم، جرى التعامل معه بمنطق التشفي والدعاية وبشيء من الخفة.
اليوم، والجيش الحر يمتد عبر البلاد من أقصاها إلى أقصاها، ويعمل على تنظيم صفوفه عسكريا وتنسيق عملياته، ربما أصبح من الضروري أيضا أن يأخذ النواحي الإعلامية والسياسية بعين الاعتبار. فيستعين بنشطاء إعلاميين وسياسيين لرسم سياساته وخطابه وطريقة ظهوره إلى الإعلام، سواء فيما يتعلق بعملياته أو بمواقفه من الأحداث والمستجدات.
والأهم من ذلك، أن يؤكد على ما اعتدناه منه طيلة الشهور الماضية، من أن جيشنا الحر متمسك بمبادئ ثورته، والنأي بنفسه عن أية ممارسات موروثة من نظام الإجرام والاستبداد. الجيش الحر دون غيره، بما له من مكانة في قلوب السوريين، هو الأقدر على ذلك، ليس بالخطابات الرومانسية، وسيلتنا نحن النشطاء للتأكيد على مبادئ ثورتنا، بل عبر الممارسة الفعلية.
كلما أظهر أولئك الجنود الأبطال كثيرا من الشجاعة والتفاني كما اعتادوا، وفي الوقت نفسه كثير من التسامي والإصرار على العدالة، كلما اقتربنا أكثر من جوهر ثورتنا ومن المستقبل الذي نتمناه لسوريا ونعمل لأجله جميعا.
(source)