تمر هذه الأيام الذكرى السنوية الأولى لثورتنا، ثورة الحرية والكرامة
تمر هذه الأيام الذكرى السنوية الأولى لثورتنا، ثورة الحرية والكرامة، بحصيلة أكثر من تسعة آلاف شهيد، وعشرات آلاف الجرحى والمفقودين والمعتقلين والمشردين. مدن منكوبة ومحاصرة بآلة القمع الهمجي والإجرام غير المسبوق من قبل نظام بات مضرب المثل بوحشيته.
لكنها أيام تدون أيضاً أن ملايين السوريين قد كسروا جدران الخوف والعزلة ورفضوا حياة الذل والقهر والظلم بعد اليوم. وحسموا أمرهم بالاستمرار في ثورتهم حتى نيل الحرية وبناء الوطن الذي يستحقونه
ونحن على أعتاب مرور سنة كاملة على ثورتنا، فإن وقفة تقييم لوضعنا الحالي، نقاط الضعف ونقاط القوة والفرص والتحديات، هي مما يلزم في هذه اللحظات أكثر من أي وقت مضى لتتبع مساراتها ومآلاتها
الموقفين الدولي والعربي
حتى اللحظة تقتصر المواقف الدولية على التنديد والإدانة من دون أية إجراءات عملية تذكر، حتى على الصعيد الإنساني والإغاثي. يعود ذلك في جزء منه بالفعل إلى هلهلة وضع المعارضة وعدم وجود بديل قوي وواضح المعالم لما بعد نظام الأسد؛ لكنه بالدرجة الأولى، وهذا ما يجب أن يكون واضحا دون أوهام، يعود إلى حسابات تلك الدول ومصالحها والموازنة ما بين تدخل قد يكلفها الكثير على مختلف المستويات من جانب، وترك أطراف الأزمة تتصارع حتى الوصول إلى نقطة توازن الضعف، تضطر عندها إلى قبول تسوية مفروضة تماشي مصالح القوى النافذة في المجتمع الدولي
الموقف العربي منقسم على نفسه، ولا يزال عدد من الدول العربية، حتى الآن، غير مؤيد لاتخاذ إجراء تدخلي في سوريا من أي نوع. في حين أن لهجة بعض دول الخليج العربية تُنذر بتدخل محمول على فهم طائفي لما يجري في سورية، الأمر الذي يمكن أن يسهم في إجهاض الثورة أو
تحويلها، مع تدفق السلاح، إلى حرب أهلية
وضع المعارضة السياسية
لا يزال وضع المجلس الوطني السوري كممثل عن الثورة السورية، يشوبه الكثير من الضعف والفوضى في العمل والافتقار إلى التنظيم المؤسساتي وغياب كامل لآليات الاتصال والتواصل بين هيئاته المكوِّنة الثلاث-الهيئة العامة والأمانة العامة والمكتب التنفيذي- وآلية واضحة ومعلومة لصناعة قرار جماعي ووحدة ووضوح الرؤية. ولا تزال الخلافات الشخصية بين المعارضين هي الطابع الأبرز للمجلس الذي عجز حتى اللحظة عن الظهور بمظهر الجسم الواحد القوي الذي يخاطب المجتمع الدولي بخطاب واضح ومطالب محددة، ويقود الشارع سياسيا. على العكس من ذلك، كان المجلس طيلة الوقت منقادا مرة للتجاذبات الدولية ومرة لاحتواء مطالب الشارع المحقة باعتبارها نابعة عن معاناة وألم، وإن كانت مطالب غير واقعية سياسياً نظرا لتعقد وتشابك المرامي والاستراتيجيات السياسية في الظروف الراهن
وضع الجيش الحر
حال ثورتنا تُرك الجيش الحر، بمعنى المنشقين عن جيش النظام، والمدنيين الذين حملوا السلاح للدفاع عن أنفسهم وعائلاتهم ومدنهم، من غير أي دعم يذكر، ومن غير قيادة موحدة وفاعلة في الوقت نفسه
دافع عناصر الجيش الحر ببسالة وشجاعة نادرة عن المدنيين وعن مناطقهم، بما تيسر لهم من سلاح خفيف وذخيرة قليلة. لكن وكما هو متوقع، فقد تمكنت آلة القمع العسكرية للنظام من استعادة مواقعها في غير مكان، والتنكيل بأهالي المناطق التي نشط فيها الجيش الحر والانتقام منهم بوحشية، ما ضاعف عدد الضحايا وأدى إلى كوارث إنسانية ومناطق منكوبة في غير مكان من البلاد.
من ناحية أخرى، أدى غياب دعم منظم وواضح للجيش الحر إلى عدم وجود قيادة فاعلة ومؤثرة وذات قرار على مستوى العمل العسكري المعارض، أمرٌ انعكس سلبا ليس على أداء الجيش الحر فقط، بل قد تكون له نتائج كارثية على مستقبل البلاد ككل بعد نيلها استقلالها عن النظام المجرم. فوجود كتائب متفرقة ومتناثرة، إن في دوافعها أو أساليب عملها أو ولائها، ومع احتمالات تزايد تدفق السلاح من خارج الحدود، يُنذر بتحول هذه الكتائب إلى قوى مسلحة دون برنامج عمل وطني واضح في أحسن الأحوال أو استطالات لقوى خارجية ذات أجندات متضاربة في أسوأها
على مستوى الحراك المدني
فيما عدا ثنائية المظاهرات السلمية والجيش الحر، عجزت الثورة حتى اللحظة عن إفراز نشاط مدني وسلمي فعال ومؤثر ينال من قوة النظام وبطشه ويُنهك قواه ويمزق ضمائر وإرادات عسكره وشبيحته.
يعود ذلك من جهة إلى شدة العنف الممارس من قبل النظام وما ينجم عنه من ردود فعل طبيعية باعتبار العسكرة هي الحل الوحيد للإطاحة به. لكن من جهة أخرى يعود إلى ضعف الخطاب المدني السلمي وعدم وضوح آلياته وعدم الإيمان بقدرته على إحداث تغيير حقيقي أو قلب موازين القوى. إن ضعف هذا الخطاب ناجم عن ضعف الثقافة السياسية الحديثة وأساليب عملها، التي لا يمكن ان تتجذر في ظل القمع والاستبداد.
بناء على المعطيات السابقة، فإننا في لجان التنسيق المحلية نرى ضرورة
على المستوى الدولي والعربي
على المجتمع الدولي والدول العربية أن تعلم أن إطالة أمد الأزمة، والاكتفاء بالمراقبة والتنديد وسط استمرار أعمال العنف الهمجي، لن تؤدي إلا إلى المزيد من أجواء الكراهية وتراكم الأحقاد وازدياد مخاطر الاقتتال الطائفي والأهلي في المستقبل، وإتاحة الفرصة لكل نزعات التطرف في الفكر والسلوك أن يسود. من يريد الآن "ضمانات" ضد التطرف والإرهاب في سوريا، وفق تصريحات مسؤولين غربيين مؤخرا، فهو يطالب بدولة قمع جديدة ونظام شبيه بنظام الأسد. ومن يريد مستقبلا تجفف فيه منابع الإرهاب وتعالج أسبابه، لا يترك نظاما بشعا لينكل بشعب أعزل طيلة سنة كاملة، مع الأخذ بالاعتبار تنوع هذا الشعب عرقيا وطائفيا.
على مستوى المعارضة السياسية
لم تعد وحدة المعارضة مطلبا بعد تأكد استحالتها، لكن من غير المقبول أن يستمر أداء المجلس الوطني بهذا الشكل على المستويات كافة. إذا كان السوريون قد حققوا المعجزات بخروجهم على نظام الإجرام طيلة سنة كاملة، فليس من المستحيل على المجلس الوطني إعادة هيكلة نفسه والعمل على خطاب أكثر تماسكا وإقناعا للسوريين قبل العالم. لسنا بحاجة إلى بدائل تعيدنا إلى نقطة الصفر ونكاد نعرف نتائجها مسبقا، لكن استمرار الفراغ السياسي بسبب الأداء المرتجل للمجلس الوطني من شأنه أن يطيل أمد الأزمة ومعاناة السوريين بل يكاد يصبح عبئا على ثورتهم.
وضع الجيش الحر
إن الدعم المادي الضئيل المناسباتي والإعلامي من جهات متفرقة ومتباينة لا يساعد في تطوير أداء الجيش الحر وقدراته، بل يزيد من مخاطر ارتهانه لجهات بعينها قد لا تكون مصلحة الثورة من أولوياتها. ويقوي جماعات على حساب أخرى، مع كل ما يعنيه ذلك من احتمالات سلبية في المستقبل. إن قيادة موحدة للعمل المسلح في سوريا، قيادة ذات رؤية واستراتجيا واضحة للعمل مضبوطة بأهداف الثورة والمصالح الوطنية العليا للسوريين كافة يسيرها ويشرف على تنفيذها قادة وضباط الجيش الحر، غير ممكنة من دون توفر دعم حقيقي يمكنهم من رسم وتنفيذ خططهم، ويؤمن لهم القرار على الأرض في كل ما يخص العمل المسلح.
على مستوى الحراك الثوري
من غير المجدي صرف عدة أشهر أخرى في المطالبة بتسليح الجيش الحر، على غرار طلبات الحظر الجوي والممرات الآمنة، بديلاً التركيز، من قبل قوى الحراك الثوري في الداخل، على تطوير الحراك واستمراريته وفعاليته. لا يزال خطاب الحراك المدني السلمي قاصرا عن الوصول إلى الأغلبية وإقناعهم بجدواه، ولا تزال أكثر وسائل النضال المدني غائبة، أو حاضرة بخجل في حراكنا الثوري. لا يمكن مطالبة الثوار باستعادة المبادرة عبر هذا النوع من الأنشطة والأساليب – في غياب قرار بتسليح الجيش الحر وعسكرة الثورة فعليا- دون تقديم خطاب واضح وآليات محددة تبتعد عن الأنشطة الرمزية وضيقة النطاق.
كل يوم نخطو خطوة جديدة باتجاه الحرية، من أجل دماء شهدائنا ومستقبل أطفالهم، ولأننا نستحقها، وبإصرارنا واستمرار ثورتنا سننالها غير منقوصة
النصر لثورتنا والرحمة لشهدائنا الأبرار