top of page
Featured Posts

الجيل القادم من النشطاء

لدى تعاطينا مع ظاهرة المدونات والمدونيين، يبدو لنا وكأن جيلا جديدا من المدافعين عن الحريات بدأ يظهر بعيدا عن التنظيمات الحقوقية والسياسية الموجودة على الأرض. غير منعزل عنها، بل يبدو صريحا في تعاونه معها، على الأقل على صعيد المنظمات الحقوقية المحلية والدولية

في برنامج عن التدوين في العالم العربي عرض أخيرا على قناة «إل بي سي»، ثار نقاش بين مدونين وصحفيين حول وظيفة التدوين، وما إذا كانت في موضع منافس أو مكمل للصحافة العربية

أصر المدونون على أن ما يقومون به يأتي لملء الفراغ الذي تتركه صحافة مقيدة وخاضعة لكثير من القيود وأحيانا بصعوبة تجد مكانا للتنفس. وروى العديدون تجاربهم حيث استطاعوا الوصول إلى أوسع شريحة من الناس، حصولا على المعلومة ونقلا لها، مؤكدين على ما يتمتعون به من مصداقية، وقدرة على التحرك افتراضيا وإعلاميا، أكثر بكثير مما تتيحه وسائل الإعلام المختلفة

والملفت للنظر أكثر من أي شيء آخر، هو الطريقة التي تحدث بها المدونون على اختلاف جنسياتهم، من مصر وسورية واليمن وتونس وغيرها، مؤكدين امتلاكهم ميدانا كانوا السباقين إليه، للتعبير عن أنفسهم وإيمانهم بقدرتهم على التأثير فيما وفيمن حولهم، عبر تلك النافذة الافتراضية. في الحقيقة، لا يشكل أولئك المدونون منافسا للصحافة التقليدية، وإنما لأساليب العمل والنشاط الحزبي والحقوقي التقليدي، الذي يرزح تحت وطأة ضغوط هائلة لا تقتصر على القمع السلطوي، وإنما كثير منها يأتي لأسباب ذاتية تضعف ذلك النشاط وتحد من أثره وقدرته على التواصل والفعل

أكثر التجارب والأمثلة التي بدا أن المدونين يعتزون بروايتها، كانت تلك المتعلقة بمشاركتهم في أنشطة جماعية ذات صلة بحقوق الإنسان والحريات العامة في بلدانهم. وفضلا عن «النفَس» المعارض الذي كانوا يتحدثون به ضد سلطات القمع على اختلافها، فقد كان من بينهم مدون من سورية وآخر من تونس يعيشان في المنفى لاحتمال مواجهتهما السجن في حال العودة إلى الوطن

بدا وكأننا أننا أمام مجموعة من النشطاء والمعارضين الشباب والشابات، ممن يستخدمون الإنترنت وفضاءه الواسع لخلق مساحة أكبر للحراك والتجمع والفعل، أكثر منه كوننا أمام مجموعة من المدونين الذين اختاروا الـ«كي بورد» وشاشة الكمبيوتر عوضا عن الورقة والقلم لكتابة يومياتهم والتعبير عن آرائهم، وفقا لوصف أكثر من مشارك ومشاركة في تلك الحلقة. ووفقا لما نقرأ في مدونات بعضهم، فقد سبق لمعظمهم الالتقاء بمدونين آخرين من بلدان عربية مختلفة، وجها لوجه في مؤتمرات وورشات عمل خاصة بالتدوين، أو على الأقل فقد تعارفوا وتبادلوا التضامن والآراء عبر مدوناتهم الخاصة

إلى حد بعيد، يبدو أنهم تمكنوا من التلاقي على أرضية مشتركة، وتنسيق التواصل والتعاون والتفاعل فيما بينهم حول القضايا التي يدونون وينشطون لأجلها. وشبكة التضامن مع المدونين المعتقلين أو ممن تعرضوا لانتهاك حقوقهم في أي مكان من العالم العربي ودول أخرى أحيانا، حاضرة في معظم مدوناتهم، في تضامن منظم وجميل يقل مثيله أحيانا ضمن الفعاليات الحقوقية في البلد الواحد

وكأن جيلا جديدا من المدافعين عن الحريات بدأ يظهر بعيدا عن التنظيمات الحقوقية والسياسية الموجودة على الأرض. غير منعزل عنها، بل يبدو صريحا في تعاونه معها، على الأقل على صعيد المنظمات الحقوقية المحلية والدولية، ويحسب لتلك المنظمات أيضا تجاودبها وتعاونها مع تلك الشريحة من المدونين- النشطاء

صفة المدون تمنح هذا الجيل شعور الانتماء إلى جماعة وكيان، يتخطى المحلي والإقليمي إلى الدولي، وهو ما يعزز الشعور بتلك القوة الافتراضية ويخلق إحساسا بأمان افتراضي. وتتيح هذه الصفة في الوقت نفسه فرصة إرضاء الذات التي تظهر بالاسم والملامح كاملة، بدلا عن ذوبانها في التنظيمات الحزبية وسواها، خصوصا أن شريحة هؤلاء المدونين في معظمها من الشباب والشابات الذين لم يتجاوزوا الثلاثين عاما وأكثرهم في أوائل العشرينيات من أعمارهم

لا يمكن القول إن جميع هؤلاء كان من النشطاء والمعارضين ثم انتقل للتدوين كوسيلة بديلة أو مجاورة لوسائل نشاطه السابق، فالبعض سلك طريقا معاكسا، أي بدأ كمدون وانتهى كناشط. وهذا ما حسبت له السلطات القمعية حسابا منذ البداية، مستخدمة شتى وسائل التضييق والترهيب للحد من انتشار ظاهرة المدونين النشطاء، لأن من يمتلك الجرأة والرغبة للتعبير عن نفسه وآرائه بحرية وضد التيار، غالبا لن يكتفي بذلك بعد حين، تماما كما قالت إحدى المدونات المشاركات في الحلقة، من أنه بعد أن ذقنا طعم الحرية، لا يمكننا أن نتراجع إلى ما قبلها رغم الضغوط والتهديد والاعتقال

bottom of page