خبر صحفي قديم
إذاً لايزال الإصلاح الاقتصادي يحتل المرتبة الأولى من اهتمامات الرئيس الأسد، وعلى حساب الإصلاح السياسي بعيد المنال، هذا ما يظهر بوضوح في خطاب القسم أمام مجلس الشعب بمناسبة بدء الولاية الرئاسية الثانية للأسد الابن لسنوات سبع مقبلة
وإن كان المجتمع الدولي يتوقع مواقف جديدة للرئيس الأسد حول الأوضاع في لبنان والمحكمة الدولية، وهو ما لم يتطرق إليه في خطابه، وإن كان الحديث عن شروط بدء مفاوضات السلام مع إسرائيل قد تصدر عناوين الأخبار أثناء وبعيد إلقاء الخطاب، فإن للمواطنين السوريين اهتمامات أخرى كانوا يبحثون عن صدى لها في الكلمة الرئاسية، كل على حسب «ليلاه».من زيادة معتبرة في رواتب الموظفين إلى «عفو» عام عن المعتقلين السياسيين، وبينهما مكافحة الفساد والبطالة وإطلاق الحريات العامة واحترام حقوق الإنسان، تراوحت اهتمامات وأحلام معظم السوريين
أما عن الإصلاح السياسي، فأعاد الأسد من جديد أسباب تعثره المديد، بالتحديات التي تواجه البلاد والضغوط الشديدة التي تمارس عليها. غير أنه كرر وعوده بالعمل على إصدار قانون للأحزاب السياسية وعلى إيجاد «حل موضوعي» لإحصاء عام 1962، الذي جرّد بموجبه آلاف الأكراد من الجنسية السورية في محافظة الحسكة. مؤكداً من ناحية أخرى إنجاز عدد من الخطوات لتطوير البنية السياسية من خلال تطوير «تجربتنا الديموقراطية». أما الجديد، فهو العمل على تشكيل «مجلس للشورى» لمشاركة المجتمع في اتخاذ القرار
ولو كنت أعد خبراً صحفياً غير حيادي، لتابعت السرد بالشكل التالي: جدير بالذكر أن سورية تقبع في ظل إعلان حالة الطوارئ منذ أكثر من أربعة عقود، بسبب ما تواجهه من تحديات خارجية كبيرة. مع العلم أن السنتين الماضيتين من ولاية الرئيس الأسد الأولى، شهدتا تدهوراً كبيراً في أوضاع الحريات العامة وحقوق الإنسان والتضييق على المعارضة والمجتمع المدني قيد التشكل، بما يمكن أن يطلق عليه خريف دمشق الثاني، بعد خريفها الأول عام 2001 الذي شهد حملة أمنية قاسية ضد الحراك المجتمعي الثقافي الناشئ حديثا آنذاك. وكانت الانتخابات التشريعية الأخيرة التي عزفت أغلبية المواطنين عن المشاركة فيها، دليلاً ملموساً على تقهقر المشاركة العامة حتى في أشكالها الصورية، وعلى انحسار «التجربة الديموقراطية الوليدة» إلى مرحلة ما قبل الولادة
أما عن الوضع المعيشي للمواطنين، وهو ما أولاه الخطاب أهمية خاصة، وأورد في سبيله أرقاماً تدلل على معدلات النمو المرتفعة ومبالغ المديونية التي تعتبر سورية معها أقل دول العالم مديونية، فضلا عن سرد إنجازات اقتصادية أخرى بالأرقام، فإنها لا تعكس الأوضاع المعيشية المتردية لفئات كبيرة من السوريين، وانحسار الطبقة الوسطى لمصلحة طبقتين أشد فقرا وأشد غنى، بالتزامن مع ارتفاع كبير في الأسعار، وبشكل خاص أسعار العقارات، إلى معدلات غير مسبوقة، هذا فضلا عن أحزمة الفقر والعشوائيات والبطالة وغيرها
لا تناقض في ذلك كما يبدو للوهلة الأولى، إذ إن استشراء الفساد وغياب الشفافية والمساءلة وتركز معظم الاستثمارات والثروات الوطنية في مراكز قوى اقتصادية سلطوية محددة، من شأنه أن يذهب بجميع التشريعات والقوانين الهادفة إلى الإصلاح الاقتصادي، ويجعل ثمرات هذا «الإصلاح» من نصيب فئات معينة دون غيرها
وقد أصبح مدعاة للملل تكرار أن الإصلاح الاقتصادي بمعزل عن نظيره السياسي في ظروف مثل تلك التي تحيط بآليات عمل النظام السياسي الحالي في سورية، غير ممكن على الإطلاق. وأن «مواجهة التحديات» الخارجية تكون بالدرجة الأولى برد المظالم في الداخل والإفراج عن طاقات الشعب وإمكاناته، وإتاحة الفرصة له لتلمّس انتمائه الوطني والتعبير عنه
على الرغم من أن الخطاب الذي امتد الى ساعة ونصف، ركز في معظمه على الوضع الداخلي، فإن المخاطب فيما يبدو، كان «الخارج» إلى حد بعيد. فهو- أي الخطاب- لم يحمل إلا وعوداً جديدة – قديمة، للداخل السوري المغيب عن معادلة صنع القرار في بلده. ويبقى على المواطن السوري، شغل نفسه بمحاولة التنبؤ بما ستحمله الأشهر القليلة المقبلة، التي وصفها خطاب القسم «بالمصيرية». «الأشهر التي ستحدد مصير ومستقبل المنطقة وربما العالم كله»، حسب قول الرئيس الأسد. وذلك قد يعني أي شيء، من احتمالات الحرب مع إسرائيل إلى احتمالات السلام إلى تطورات الوضع في لبنان والعراق وإيران، مع انعكاسات ذلك على الوضع السوري الداخلي، بما يوحي بأن هذا الوضع، يبقى رهناً بالمتغيرات والتطورات الخارجية وتعقيدات العلاقات السورية مع دول المنطقة والمجتمع الدولي
المجتمع السوري المغيب في حسابات طرفي المعادلة التي تتحكم بمصيره، يعي أن أي تغيير يجري بمعزل عن مشاركته، من شأنه أن يبقيه رهن المعادلة ذاتها، ولو تغير أحد أطرافها. كسر هذا الطوق، هو وحده ما قد يحمل تغييراً حقيقياً جديراً بالترقب والعمل من أجله
(source)