رياح التكفيرتعصف بـ حماس
لم تهدأ بعد تداعيات إعلان الدعم «القاعدي» لحماس، رغم مرور أكثر من ثلاثة أشهر على ذلك. هذا الإعلان الذي أثار بلبلة في صفوف أنصار «القاعدة» أكثر مما فعل في الأوساط الأخرى مجتمعة
حيث لم يتقبل كثير من «الجهاديين» فكرة دعم حركة «حماس»، التي دانت «بدين الصليب: الديموقراطية»، والتي هي «على بيعة مع الإخوان المسلمين» و «تمنع جنودها من مخالطة أهل السنة والسلفية»، فضلا عن اتهامها بدعم التنظيمات السلفية الجهادية في الأراضي المحتلة من أجل تنفيذ خططها القائمة على مصالحها الخاصة، بالإضافة إلى كونها حركة مدعومة من إيران التشيع، العدو العقائدي «للجهاديين». بل ذهب بعضهم إلى تكفير قادة حركة «حماس»، معتمدين في ذلك على أن القيادي في تنظيم «القاعدة»، أيمن الظواهري، ميز القادة عن «جنود» تلك الحركة في خطابه الأخير الداعي إلى دعمها
بالتوازي مع هذه الآراء المتدفقة عبر المنتديات والمواقع «الجهادية»، صدر منذ فترة قريبة، بيان عن جماعة «جيش الإسلام» القريبة إلى فكر «القاعدة»، يندد بما قال إنه اختطاف اثنين من عناصر الجماعة على يد كتائب القسام، موجهاً للحركة، «النصيحة» مرة، ومهدداً إياها بشكل واضح مرة أخرى
أما «حماس»، التي سبق واتُّهمت في تقارير استخباراتية أميركية وإسرائيلية بعلاقات مع «القاعدة»، فلما تزل على موقفها المترنح ما بين المهادنة والحرب الكلامية الباردة. فلطالما واجهت الحركة نقداً لاذعاً من قيادات التنظيم إثر دخولها العملية السياسية، كان آخره ما وجهه لها «الظواهري» عشية اتفاق مكة، معتبرا إياها قد تنازلت عن التحاكم للشريعة وعن معظم فلسطين. وقد قابلت ذلك بردود مهذبة إن صح التعبير، لا توحي بموقف رافض أو عدائي لمنتقديها، بحيث اكتفى قياديوها بنفي أي رابط أو علاقة للحركة بالتنظيم. من ناحية أخرى، أعربت الحركة في أكثر من مقام، عن خشيتها من تنامي فكر «القاعدة» في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وقلقها من التحاق أنصارها بالتنظيم الإسلامي المتشدد «لغياب إرادة التغيير ورفض إشراك حركة حماس ذات الفكر الوسطي»، وفقا لما جاء على لسان الدكتور يونس الأسطل القيادي في الحركة منذ أقل من شهرين. لكننا لا نعدم بعض الأخبار، التي من الممكن توقع مصدرها، وتتحدث عن اكتشاف كتائب «عز الدين القسام» لوثائق في مقر الأمن الوقائي ومبنى المخابرات الفلسطينية، تكشف عن «خطة أعدتها تلك الأجهزة لاستهداف التيار السلفي المتنامي في قطاع غزة»!هذا التيار الذي أصبح حقيقة، ربما منذ أن شهدت المدينة العام الماضي، ظهور أول «شريط مصور» منسوب إلى «تنظيم قاعدة الجهاد في ولاية فلسطين»، بالإضافة إلى أعمال تفجير مقاهي الإنترنت والمراكز الثقافية وبعض المواقع المسيحية، وغيرها من الممارسات الإرهابية التي عرفتها المدينة خلال الأشهر الماضية وقبل استيلاء «حماس» على مقاليد الأمور في غزة
إلا أن مواقف «حماس» التي تحاول أن تقترب من الوسطية بدون أن تبتعد عن «الجهادية»، أصبحت وبالاً عليها. فلم يجدِ بيان كل من «الظواهري» و»الحكايمة»، في تخفيف غلواء «الجهاديين» تجاه الحركة. والدعوة «القاعدية» إلى دعم «المجاهدين في فلسطين بمن فيهم المجاهدون في حماس، رغم كل أخطاء قيادتهم» وتزويدهم بالمال والسلاح، لم يجد له تفسيراً منطقياً لدى الأنصار
قد يُفسر موقف القياديين في «القاعدة» بأوجه عدة، منها كما يذهب معظم المحللين إلى محاولة استقطاب الكوادر المتململة داخل «حماس» فضلا عن شارع ينحو أكثر فأكثر تجاه الإسلام المتطرف، إلى محاولة تأجيل أي مصادمات بين «الجهاديين» و«حماس» في غزة في غير وقتها
لكن ما الذي قد يفسر جنوح أنصار «للقاعدة» نحو عدم الأخذ بمواقف قادتها، غير أن الأجيال الجديدة للأصولية الإسلامية، تتشكل على نحو أكثر تشدداً وعنفية وانفصالاً سارحاً في الخيال عن الواقع المعاش وتعقيداته السياسية. هذا الجنوح بطبيعة الحال، سيدفع إلى مواجهة مع تنظيمات كانت إلى وقت قريب تعتبر «حيادية» في موقفها من «القاعدة» أو على الأقل، لم تكن في مرمى أهداف الجماعات العنفية المتشددة، باعتبارها قد ارتكبت «معصية» قابلة للتقويم إن هي استمعت إلى النصيحة! ربما هذا ما تسعى «حماس» الى الحفاظ عليه. مسافة من التنظيمات السلفية الجهادية، من غير قطيعة، ومن دون محبة زيادة. لا استعداء مباشر للفكر «القاعدي» يسحب الشارع باتجاهه، ولا سماح لذلك التيار بالحلول محلها ومنافستها، ولا بأس إن جرى استخدام بعض مفرداته وممارساته وفقاً للحاجة، كما حصل أخيرا في استيلائها على غزة. وما يظهر حتى الآن، أنها لا قادرة على الحد من انتشار التيار السلفي الجهادي، ولا مستعدة لصياغة خطاب وسطي معتدل بملامح واضحة. يبدو أن قواعد اللعب مع جماعات السلفية الجهادية تغري كثيرين للدخول في قلب النار
(source)