حوار مع الناشط والكاتب علي العبد الله
الناشط والكاتب علي العبد الله بعد عودته إلى الحرية: أشعر بالفخر لأن أولادي معي في موقع النشاط الديمقراطي السلمي أخطاء وتقصير وسوء تقدير تخللت عمل فريق المحامين المكلف بالدفاع عنا لا زلنا متمسكين بمطالبنا ولن يثنينا عنها لا السجن ولا منع المغادرة
لن نعيد ونزيد في التعريف بالكاتب والناشط علي العبد الله، تواريخ اعتقاله والإفراج عنه، نشاطه وكتاباته وتضحياته. نضيف فقط إلى ما جاء في هذا الحوار معه، بأن المرء لا يمكن أن يقف على الحياد أمام هذا الدفق من التصميم والإرادة والإيمان في شخصية محاورنا، لأجل ذلك ليس لنا إلا أن نبارك للحرية عودة أحد أجمل فرسانها إليها
هل تحكي لنا كيف تم اعتقالك وما هي مراحل السجن والتحقيق التي مررت بها؟
بتاريخ 23-3-2006 حضرت دورية من أمن الدولة إلى منزلي، قالوا أنهم يريدونني لربع ساعة فقط. سألوا عن ولديَ محمد وعمر. عمر كان قد اعتقل قبل ذلك بخمسة أيام من قبل المخابرات الجوية، ومحمد لم يكن في المنزل
أدخلوني السيارة وحاولوا تقييد يدي فرفضت بشدة، فكفوا عن المحاولة. في الطريق بدأ أحدهم يسألني متبرما، لماذا تعارض، لديك بيت وعمل؟!، قلت له، للعلم فقط البيت أجرة، ونحن لا ننشط لشخصنا، بل لمصلحة عامة، نحن نعمل من أجل تغيير ديمقراطي في البلد..لم يعجبه كلامي، واعتبرنا مجرد أعداء
عندما وصلنا الإدارة العامة للمخابرات العامة، أدخلوني إحدى الغرف وكنا فيها ثلاثة أشخاص، فجاء شخص مهندم وأشار إلي مكلما الشخصين الآخرين: يقول لكم اللواء "رصَوه".. نقلوني إلى غرفة أخرى، ثم عادوا وقيدوا يدي وعصبوا عيني وأخذوني إلى فرع التحقيق. كانت التحقيق في غرفة مكتب عاديا، الأسئلة عادية والتحقيق قصير واعتبرت أن القضية حلَت.بعد ذلك أنزلوني إلى منفردة في القبو. حوالي الساعة السابعة مساء، أخذوني إلى غرفة التحقيق مقيدا ومعصوب العينين، ولحظة دخولي بادرني المحقق بالقول "شو، كل ما نفتح ملف قضية من القضايا بتطلع موجود فيها، على شو كبرة هالراس!" وضربني على وجهي، وأصبح يضربني ويلكمني على وجهي بعد كل سؤال. سألني لماذا أتواجد أمام محكمة أمن الدولة، قلت له باعتباري عضو في جمعية حقوق الإنسان في سوريا أذهب لألتقي بأهالي المعتقلين وأتضامن معهم وأساعدهم للحصول على محامي متطوع لأن أغلب الأهالي فقراء، سألني، كم يعطيك هيثم المالح مقابل هذه الخدمات؟! قلت له هو لا يأخذ حتى يعطيني. تكلم عن النشطاء وسألني عن بعضهم. سألني عن ميشيل كيلو بطريقة غريبة، وصفه بالشخص الوطني وما إلى ذلك. وقد فسرت ذلك فيما بعد بأنها محاولة لاستدراجي للحديث عن ميشيل كيلو، وما إذا كان هناك تنسيق أو عمل مشترك بيننا، وقلت لابني محمد عندما التقينا في صيدنايا، أتوقع أن يعتقلوا ميشيل كيلو
بقيت أيام الخميس والجمعة والسبت في الفرع، وقعت على التحقيق الأول ثم على التحقيق الثاني الذي جرى في القبو بدون أن يسمح لي بقراءته، ثم وضعوني مقيدا في سيارة إلى مكان لم أكن أعرف وجهته
• هل كنت تعرف في تلك الأثناء باعتقال ولدك محمد؟
كلا، لم ألتق به في الفرع، ولم أكن أعرف أنه اعتقل. في سجن صيدنايا ومن خلال العصابة على عيني شاهدت أحذية عسكرية تتحرك. أنزلوني إلى المنفردة تحت الأرض بطابقين، منفردة 180x 180، ليس فيها إنارة باستثناء ما يتسرب إليها من الطاقة الصغيرة -التي لا يتجاوز طولها 10سم- في الباب من إنارة الممر، وهي الطاقة نفسها التي يمررون الطعام منها. بقيت في المنفردة عشرة أيام، ثم نقلوني إلى مهجع في الطابق الثاني وهو عبارة عن غرفة 8 أمتار طول و 6 أمتار عرض، داخلها مرحاض وحمام.خلال هذه الفترة استدعاني مدير السجن ولم أكن أعرف بعد أين أنا. أخبرني أنني في فرقة عسكرية، وقال أنت هنا لتمثل أمام محكمة ميدانية وهذه المحكمة أقل حكم فيها خمس سنوات سجن فما رأيك؟ أجبت، ليس لدي مشكلة، أنا أمارس نشاط علني ديمقراطي سلمي في بلادي، فإن أرادوا أن يحكموني _ قلت باسما_ فهذا نصيبي. ثم دخل في حديث عن الوضع السياسي في البلد، ولمَح إلى أن كل معتقل يأتي إليه يخرج من عنده وقد غير أفكاره، وأنه يتحدث معي ليغسل لي الأفكار السوداء التي في رأسي، فقلت له أنني مقتنع بأفكاري وليس لدي استعداد لتغييرها إلا إذا اقتنعت بأنها خاطئة، وأنا للآن مقتنع بأنها صحيحة تماما
بعد 32 يوما أنزلوني إلى محكمة أمن الدولة العليا ومثلت أمام النيابة العامة هناك.حقق معي القاضي وأعادوني للبهو معصوب العينين، وبعد حوالي الساعة، أدخلوني للغرفة مرة أخرى ورفعوا العصابة عن عيني فوجدت ابني محمد وعرفت أنه هو أيضا اعتقل بنفس اليوم بفرق ساعات.حقق معنا القاضي بتهمتين، تحقير رئيس محكمة امن الدولة وبالنسبة لي نشر أخبار كاذبة بالخارج من شأنها المس بهيبة الدولة على خلفية مقالات كنت قد نشرتها في جريدة الخليج الإماراتية، ولمحمد تهمة ثانية هي إثارة الشغب في الطريق العام
وكما جئنا في سيارتين منفصلتين رجعنا إلى سجن صيدنايا في سيارتين منفصلتين. عند عودتي طلبت مقابلة مدير السجن، قابلني بعد ثلاثة أيام وأخبرته أنني التقيت بولدي في المحكمة وطلبت منه أن يضعنا سوية في المهجع نفسه، وبعد يومين أحضروا محمد إلى مهجعي
بعد 52 يوما من وجودنا في صيدنايا جاء المساعد وطلب منا لم أغراضنا لأن علاقتنا بهم انتهت كما قال بدون أن يذكر إلى أين ستكون وجهتنا.عندما نزلنا البهو وجدنا الأستاذ فاتح جاموس هناك. سلمونا أغراضنا واقتادتنا دورية من أمن الدولة على أساس أننا ذاهبون للبيت، قالوا بعد نصف ساعة تكونون في بيوتكم. وإذ نحن في القصر العدلي بدمشق، حيث تم تسليمنا للشرطة المدنية هناك ثم تم اقتيادنا إلى سجن عدرا
كان يوم خميس، يوم الأحد نزلنا إلى قاضي التحقيق الأول الذي أعاد نفس الأسئلة ونحن كررنا نفس الأجوبة. ثم عدنا إلى سجن عدرا كموقوفين
في البداية وضعونا في الجناح الخامس وهو جناح السرقة. الغرفة فيها ثمانين شخصا، أنا في غرفة ومحمد في غرفة. كنا ننام على الأرض، كل واحد حصته من الأرض 30 سم يحشر فيها حشرا، وهي المساحة التي يطلق عليها اسم الميدان، وهي الفاصل ما بين الأسرة. بعد خمسة أيام تقدمنا بطلب للانتقال إلى جناح آخر وقابلنا مدير السجن وشرحنا له أننا لسنا بلصوص وإنما تهمنا سياسية، قال أنتم متهمون قضائيون وليس سياسيون، ليس لدي في السجن متهمين سياسيين. قلنا له حتى لو كنا قضائيين، فتهمة تحقير المحكمة مكانها ليس الجناح الخامس وإنما السادس – وكنت قد عرفت ذلك قبل أن ألتقي به- فقام بنقلنا إلى جناح القتل والسلب بالقوة وهو الجناح الثامن
يبدوا أنهم نبهوا نزلاء هذا الجناح قبل وصولنا بأننا جماعة خطرين ومجرمين سياسيين وأننا قد شتمنا الرئيس ومتآمرين على البلد، ويجب عدم التعاطي معنا وعزلنا وعدم تقديم أية تسهيلات لنا لا بالحصول على سرير، -لأن الأسرة تؤجر من قبل النزلاء الأقدم حيث أجرة السرير العلوي 400 ليرة والسفلي 500 ليرة في الأسبوع- وعدم تأجيرنا تلفزيون أو موبايل لأن الموبايلات تؤجر بالدقيقة هناك. أخيرا وجدنا أنفسنا في "الميدان" على حصيرة بالية وسخة بدون أية بطانيات أو أية إمكانية للنوم. الميدان كان مليئا بأشياء المساجين. وبعد احتجاجنا تم تفريغ هذه المساحة من بعض ما فيها واشترينا حصيرة جديدة وبقينا ننام على الأرض ثلاثة أشهر. ثم اتخذ قرار من وزير الداخلية بتسفير السجناء المحكومين كل إلى محافظته، وهذا أدى إلى وجود أسرة فارغة فانتقلنا من الميدان إلى سرير علوي
• كيف كان وقع لقائك بولدك محمد لأول مرة في المحكمة، وهل كنت تتوقع يوما أن يجري اعتقالك مع ولديك كما حصل؟
توقعت عندما سألوا عنه يوم اعتقالي أن يطلبوه لتقريعه أو تهديده وليس أكثر، خاصة وأن عمر كان قد اعتقل قبلنا بخمسة أيام. لم أتوقع أن تصل درجة القمع لأن يعتقلوا الأب وولديه على خلفية نضال سلمي علني وديمقراطي، وعدم ترك شخص في البيت يهتم ببقية العائلة التي هي زوجة وابنتين ليس لهم من يرعاهم إذا حدث معهم طارئ. وكانت المفاجئة الأخرى أن قاضي النيابة العامة في محكمة أمن الدولة، ادعى أن سبب اعتقالي هو ما فعله ابني أمام المحكمة، بينما في التحقيق الأمني، مروا على هذا الأمر مرور الكرام، وكان التركيز على النشاط العام الذي أقوم به ومقالاتي التي أكتبها منتقدا فيها سياسات النظام في المجالات السياسية والاقتصادية والأمنية والاجتماعية والدعوة إلى التغيير الديمقراطي بالطرق السلمية، كان هذا هو الأساس وأعتبر أن ما حدث أمام المحكمة هو مجرد ذريعة.في التحقيق الأمني قال لي رئيس الفرع كلام حاد، قال هذه المرة قد لا تطول إقامتك لدينا لكن المرة القادمة لن تخرج إلا إلى القبر، وفهمت ذلك على أنه مطالبة غير مباشرة بالكف عن أي نشاط. في اليوم الثاني لوجودي بالفرع جاءوني بتعهد مكتوب فيه بأنني أقبل بالتعاون مع إدارة المخابرات العامة، عندما وصلت بالقراءة لكلمة تعاون أعدت لهم الورقة ورفضتها رفضا مطلقا. أنا فهمت الموضوع على أنه تنكيل وتخويف لدفعي للتراجع عما أقوم به من نشاط. أثناء التحقيق أيضا قال رئيس الفرع : لماذا لا تعمل مثل الآخرين، هم لا يجيئون إلى باب المحكمة ولا يقومون مثلك بهذه الأفعال.أرادوا أيضا من خلال اعتقال أولادي أن يضغطوا علي ليفهموني بأنني جنيت عليهم حتى أصاب بنوع من عقدة الذنب
وهل نجحوا في ذلك؟
بالعكس، شعرت بالفخر لأن أولادي كانوا معي بنفس الموقع، ليس موقع الاعتقال بطبيعة الحال، وإنما موقع النشاط السلمي والعلني. لأن ما قام به أولادي ليس له أي صفة مهينة أو مسيئة لي أو لعائلتي، بالعكس هو نوع من التضحية من أجل بلدنا وشعبنا. سوريا تستحق نظام أفضل وحياة سياسية واجتماعية واقتصادية أفضل مما هو سائد فيها منذ عقود
كيف تقيم أداء الحراك الديمقراطي السوري بعد الاعتقالات التي شملت كثيرين من النشطاء والمعارضين خلال الأشهر القليلة الماضية؟
فهمنا من خلال اللقاء بالمحامين الذين زارونا مرتين خلال طول هذه الفترة، أن همهم الأساسي كان كيف يخرجوننا من السجن، والبحث عن طرق أسميها مواربة ولا تتناسب مع ما نحن فيه للإفراج عنا. كنا ننظر إلى اعتقالنا على أنه فرصة للنضال الوطني الديمقراطي، يمكن من خلالها أن نشرح للرأي العام ما هو شائع وما هو قائم من ممارسات قمعية من قبل الأجهزة الأمنية وما هو موجود من سياسات غير مقبولة على الصعيد السياسي والاقتصادي والعلمي والخدمي والإداري. كانت وجهة نظر بعض المحامين الذين يمثلون الطيف الديمقراطي، إعلان دمشق والمنظمات الحقوقية، البحث عن مخرج للإفراج عنا وبأسرع وقت كي لا تطول فترة سجننا دون اخذ مسألة الصورة والموقف السياسي بعين الاعتبار كان همهم إخراجنا من السجن ولو منقوصي الكرامة فقد فوجئنا بالدعوة للتوقيع على رسالة تفسر ما قمنا به وخاصة بالنسبة للنشطاء الذين وقعوا على إعلان دمشق بيروت، بيروت دمشق. معظم معتقلي الإعلان واجهوا الأمر بالرفض، هذه النقطة كانت مسيئة جدا. كنا ننظر لاعتقالنا على أنه فرصة للحركة والنشاط، بينما نظر إليها بعضهم كمشكلة يجب إنهائها بسرعة. ربما نجم هذا عن تباين بالرؤى في خوض الصراع ضد الاستبداد أو نتيجة الحذر الزائد لدى البعض أو الخوف من إغضاب السلطة. بالإضافة إلى التقصير في وضعنا بالتطورات والزيارات المتباعدة . وبالنسبة لنا_أنا ومحمد_ فقد اعتبر المحامون قضيتنا هامشية مقارنة بقضية من اعتقلوا على خلفية التوقيع على الإعلان
نحن نحترم قناعاتنا ومبادئنا ولن نقبل بالتراجع عنها ولو لدرجة واحدة. هذا التعامل من قبل بعض المحامين الممثلين للطيف الديمقراطي أو معظمه، أربك الموجودين في السجن. لم نكن آبهين ببقائنا في السجن، لكننا متضايقين من إدارتهم للملف
لم يكونوا يأخذوا رأينا ويعملوا على تنفيذه. المرة الوحيدة ربما التي قدموا فيها نوعا من الإيضاح للرأي العام، عندما طلب منهم ستة من الموقعين على الإعلان أن يرفعوا دعوى ضد ماريا معلوف التي اتهمت الموقعين بأنهم قبضوا عن طريق مروان حمادة مبالغ مالية. فتم رفع الدعوى لكن المحامي العام رفض تسجيلها وقام المحامي خليل معتوق بإصدار تصريح شرح فيه ملابسات الموضوع، وهذه المرة الوحيدة التي شعرنا فيها أنهم لبوا لنا مطلبا، أما بقية الزيارات والمطالب فشعرنا تجاهها بتقصير نتفهمه وإن كنا لا نقبله. نتفهمه على خلفية أن الحراك الديمقراطي غير منسجم للآن وليس لديه رؤية واحدة إزاء إدارة الصراع وما زال يحبو باتجاه هذه الرؤية ببطء شديد غير مفهوم ولا مفسر
هل ترغب أن تضيف شيئا إلى هذا اللقاء؟
الإضافة الوحيدة هي أننا لا زلنا متمسكين بمطالبنا ولن يثنينا عنها لا السجن ولا منع المغادرة. هذه المطالب مشروعة ومن حق الشعب السوري بعد هذه الفترة الطويلة من الاستبداد وسريان حالة الطوارئ والفساد أن يعيش حياة كريمة كبقية شعوب الأرض. حياة في ظل الديمقراطية والتعددية السياسية والتداول على السلطة بدءا من رئاسة الجمهورية إلى البرلمان وباقي مناحي الحياة في ظل دولة العدل والقانون
بالمناسبة، ألا تفكر بأخذ إجازة من الشأن العام بعد أن أفرج عنك؟
بالعكس، كنت أتوقع أن يخلى سبيلي يوم صدور الحكم بتاريخ 4-10-2006 لكي أشارك في اليوم التالي في الاعتصام الذي دُعي إليه في ذكرى الإحصاء الاستثنائي والدعوة لإنصاف الأكراد الذين نزعة عنهم الجنسية في ذلك الإحصاء المشئوم ودمجهم في الحياة الوطنية كسوريين كاملي الحقوق والواجبات، لكن تأخر الإفراج عني إلى اليوم التالي وبذريعة غير منطقية: تباين في توصيف الجرم بين مذكرة التوقيف ومذكرة إطلاق السراح، لذا لم يتح لي المشاركة في الاعتصام المذكور
(source)