حوار مع محمد العبدلله
محمد العبد الله: خبرات الجيل القديم مستمدة من خبرات السلطة بالقمع والإقصاء والتهميش الجيل الجديد ملّ من الإيديولوجيات، وأصيب بتخمة من التنظير كانت لحظة صعبة جدا لحظة التقائي بوالدي للمرة الأولى في محكمة أمن الدولة
محمد العبد الله ابن عائلة تحترف الحرية. والده المعتقل السابق لأكثر من مرة، الناشط في لجان إحياء المجتمع المدني والكاتب علي العبد الله ، وأخوه عمر المعتقل الحالي مع مجموعة من الشبان في سجن صيدنايا على خلفية نشاط شبابي ديمقراطي مستقل.محمد العبد الله من مواليد عام 1983. يدرس الحقوق في الجامعة اللبنانية، التي كان من المفترض أن يتخرج منها هذا العام لولا اعتقاله ثم منعه من المغادرة عقب الإفراج عنه
شارك العام الماضي مع عشرات من أسر المعتقلين في تشكيل لجنة ذوي معتقلي الرأي والضمير في سوريا، بعد أن اعتقل والده على أثر قراءة ورقة جماعة الإخوان المسلمين في منتدى جمال الأتاسي للحوار الديمقراطي. اعتقل محمد عقب تشكيل هذه اللجنة قرابة الشهر.بتاريخ 23-3-2006 وبعد ساعتين فقط من اعتقال والده من قبل فرع أمن الدولة، اعتقل من منزله في ريف دمشق من قبل الفرع نفسه. بتاريخ 4-10-2006 أصدر القاضي الفرد العسكري بدمشق حكمه بسجن محمد ستة أشهر بتهمتي نشر أخبار كاذبة وإثارة الشغب وتقرر الإفراج عنه فورا لقضائه أكثر من فترة الحكم. بتاريخ 6-10-2006 أفرج عن محمد الذي سارع في اليوم التالي للسفر إلى لبنان لتأدية امتحاناته النهائية، ففوجئ بمنعه من المغادرة
حدثنا عن فترة التحقيق معك في بداية اعتقالك
في البداية لم يكن الهدف استجوابي إنما كان ضربي هو هدف المحقق. أول سؤال طرح علي كان "ما أنواع السلطات في سوريا وفق الدستور"؟!، أجبت بأنها سلطات تشريعية وتنفيذية وقضائية، فسألني عن السلطات القضائية وبعد جوابي ضربني المحقق وقال، "كلا ، السلطات القضائية هي محكمة أمن الدولة، وإذا ما عجبكم دقوا راسكم بالحيط!". كان شديد السخط من كلامي عن محكمة أمن الدولة على قناة الجزيرة، حيث قلت عندها أنها محكمة استثنائية وغير دستورية، وأنها فرع مخابرات بهيئة محكمة. كان مطلوبا مني الاعتراف بأنني اقتحمت محكمة أمن الدولة العليا وشتمت القاضي وعطلت الجلسة وعرقلت عمل القضاء وأثرت الشغب في الشارع، وأنني ذهبت إلى محكمة أمن الدولة خصيصا لأقوم بذلك، مع العلم بأنني ذهبت يومها لأرى أخي عمر بعد أن سمعنا بأنهم ربما يحاكمونه في ذلك اليوم
كيف تعاملوا معك أثناء التحقيق، هل تعرضت لإساءة معاملة؟
أثناء التحقيق كنت معصوب العينين و يدي مقيدتان إلى خلف ظهري، وتعرضت إلى اللكم والصفع على وجهي بضع مرات
هل كنت تتوقع يوما بأن نشاطك سيؤثر بهذا الشكل على مستقبلك الدراسي والمهني؟
طبيعي كنت أتوقع ذلك، خاصة إذا انتسبت إلى نقابة المحامين بعد تخرجي. وكثير من المحامين تعرضوا للمضايقات والضغوط كما حدث مثلا مع المحامي أنور البني الذي شطب من سجل المحامين بسبب نشاطه في مجال حقوق الانسان. لكن لم أتوقع أن يتم منعي من السفر لأداء امتحاناتي في الجامعة اللبنانية، خاصة وأن هذه السنة سنة تخرج
• كيف كانت ظروف اعتقالكم في سجن عدرا؟
عندما يوضع السجين السياسي أو معتقل الرأي مع السجين الجنائي، يكون في معاناة كبيرة. هناك أجنحة السرقة والقتل والدعارة والتزوير، وقد تم توزيعنا على هذه الأجنحة. وضعنا في جناح القتل والسلب، الأستاذ أنور البني وضع في جناح السرقة، الأستاذ ميشيل كيلو وضع في جناح الدعارة وهو شيء مسيء جدا بحقه. في وضع معتقل الرأي ضمن الأجنحة الجنائية، حيث يرى تعاطي المخدرات وممارسة اللواط والمشاجرات التي تستخدم فيها آلات حادة كالزجاج والشفرات..الخ،، كل ذلك يهدف إلى التأثير على معنويات المعتقل. طبعا جميع معتقلي الرأي في عدرا تخطوا هذه الأمور وإن كانت قد تركت أثرا سلبيا لديهم
هناك أيضا موضوع الزيارات التي تكون مراقبة من قبل الضباط كلمة بكلمة. طوال الوقت كانت إدارة السجن تقول لنا أنتم لستم سياسيون، أنتم مجرمون عاديون بدليل أنكم في السجن الجنائي، لكنها كانت تعود لتناقض نفسها عندما تأمر بمراقبة زياراتنا والتضييق علينا ومنع معظمنا من ارتياد المكتبة على خلاف ما يحصل مع السجين الجنائي
بالمناسبة أود أن أذكر أنه على الرغم من ذلك كان هناك سجناء جنائيون يعاملوننا بكثير من الاحترام والمودة رغم تحذير إدارة السجن لهم من التعامل معنا وتهديدهم بأننا أشخاص "خطرين". وقد لفت انتباهي الشعبية التي يحظى بها الأستاذان رياض سيف ومأمون الحمصي لدى السجناء، حيث قضيا هناك ما يقارب أربعة سنوات ونصف (السجن الجنائي
هل أنت نادم على ما حصل بعد حرمانك من أداء امتحاناتك وضياع التخرج هذا العام؟
كلا على الإطلاق. لم يجبرني أحد على هذا النشاط، أنا الذي اخترت وقانع بهذا الاختيار
ما الذي دفعك بداية إلى الانخراط في هذا النشاط؟
الوضع بشكل عام سيء. استبداد وفساد، ولا مجال لأي نوع من الحريات. الأمر الذي نصطدم به في الحياة اليومية، أنا أرغب أن أساهم بعمل شيء مفيد على الصعيد العام
لكن معظم الجيل الشاب ينأى بنفسه عن هذا العمل؟
للأسف الشاب في مثل هذه الظروف، يخاف أو يهرب من تحمل المسؤولية. مع أن أي انسان تعلم وتثقف واطلع على الانتهاكات الممارسة بحق المواطنين، يجب أن يسعى سلميا إلى الوقوف في وجه هذه الانتهاكات، بغض النظر عما قد يعترضه ويواجهه من ضغوط، كالاعتقال أو الفصل من الوظيفة أو الجامعة أو المنع من السف
أنتم كجيل شاب عندما تنخرطون في العمل العام تقدمون تضحية مضاعفة، فلنقل، تقايضون مستقبلكم المهني والدراسي بالسجن ومنع المغادرة وغيرها من الضغوط
أنا لم أقايض مستقبلي بلا شيء. أنا أؤمن بأن ما أقوم به سيؤدي إلى نتيجة ليست قريبة بالضرورة، لكن في النهاية لا بد من الوصول إلى حقوقنا.الجامعات مثلا في أي مكان هي دائما الوسط الأكثر نشاطا وفاعلية إلا في بلدنا سوريا. أنا أدرس في لبنان، وفي الجامعة هناك، تكتلات سياسية وانتخابات وأحزاب ونشاط وتفاعل. هذا الشيء مفقود في سوريا. وربما ذلك ما دفعني إلى العمل في الحقل العام في سوريا. جامعاتنا يجب أن تكون مثل جامعات باقي دول العالم، وشبابنا مثل شباب باقي العالم
هل تتعرض لضغوط من عائلتك، والدتك أو والدك، للعزوف عن هذا النشاط؟
كلا، أحيانا أتعرض للضغط لكي أخفف من حدة نشاطي وليس لأوقفه
ما أقسى اللحظات التي مررت بها في المعتقل؟
الفترة التي قضيناها في سجن صيدنايا العسكري. قضيت 34 يوما في "منفردة" تحت الأرض. كانت صغيرة جدا 160 180 x، ليس فيها ضوء ورائحتها نتنة. كان الاستحمام ممنوعا خلال تلك الفترة، حيث استحميت لمرة واحدة خلال ثلاثين يوما. الحراس كانوا يرفضون أن يخبروني أين أنا، فقد تم اقتيادي معصوب العينين إلى صيدنايا. كان قاسيا أيضا أنني كنت أعرف أن والدي وأخي في المعتقل أيضا، ما يعني أن أمي وأخواتي بقين وحدهن. بالإضافة إلى ذلك، كانت لحظة صعبة جدا لحظة التقائي بوالدي للمرة الأولى في محكمة أمن الدولة
• كيف كان هذا اللقاء؟ هل كان والدك يعرف أنك معتقل في تلك اللحظة؟
كلا لأنه اعتقل قبلي بساعتين، ولم نكن قد اجتمعنا أبدا في التحقيق أو سجن صيدنايا. عندما اقتادونا إلى محكمة أمن الدولة بعد أكثر من شهر، وبينما كنت أدخل غرفة الاستجواب في المحكمة، رأيته هناك لكنه لم يشاهدني لأنه كان معصوب العينين. تبين أنهم اقتادونا إلى المحكمة في سيارتين مختلفتين. بعد انتهاء الاستجواب طلبت من المحقق أن يجمعني بوالدي. اجتمعنا سوية ولحظتها بكيت بعد أن عرفت بأنهم ضربوه بشدة أثناء التحقيق معه في الفرع، فقال لي لا تبك، عادي، هذه معركتنا وسنخوضها. بعدها رجعنا إلى السجن وتم جمعنا سوية في مهجع واحد بعد ثلاثة أيام
• كيف كانت علاقتك بوالدك داخل السجن؟ هل كنت تفضل لو وضعت في مهجع آخر بعيدا عنه؟
نعم كنت أفضل أن أكون وحدي. كان دائم القلق علي بسبب وجودنا في سجن عدرا الجناح الجنائي بالقرب من المجرمين، وفي السجن توجد أمور سيئة كثيرة. فكان يراقبني دائما، وأنا كنت واعيا تماما لعلاقاتي بالآخرين. لو كنت في مهجع آخر لكان أفضل لي من الناحية النفسية
كنت الأصغر سنا بين مجموعة معتقلي الرأي في سجن عدرا، كيف تعامل الآخرون معك؟
كانوا يحبونني ، كنا أصدقاء قبل الاعتقال، وكان الدكتور كمال اللبواني مثلا يقول لي عندما نتكلم من الشبابيك: أنت أملنا، نحن ختيرنا وبدنا نروح، وأنتو اللي جايين (المقصود طبعا جيل الشباب) وهذا الكلام كنت أسمعه دائما حتى من الأصدقاء المحامين عند زيارتنا. التركيز على انخراط الشباب في الشأن العام أمر ضروري جدا. المعارضة السورية جميعها في سن الكهولة
هل هذا ما يحول دون انتسابك إلى أحد الأحزاب أو المنظمات الموجودة؟
المشكلة أن الأحزاب والمنظمات تختصر نفسها في شخص واحد هو رئيسها وصاحب الحل والربط فيها، وهذا ما يجعل العناصر الشابة في موقع صدام مع القيادات في كثير من الأحيان ويدفعها إلى الانتقال إلى منظمة أو جمعية أخرى، وتكون تجاربها سيئة أيضا، وفي النهاية تبتعد عن الشأن العام، لذلك من الأفضل ربما في هذه المرحلة، العمل بشكل مستقل
أليس من الأفضل الانخراط في هذه الأطر الموجودة ومحاولة التأثير فيها من الداخل، خاصة مع عدم وجود إمكانية خلق أطر جديدة في الوقت الحالي؟
لا يوجد عمل مؤسساتي ضمن المنظمات. حتى ضمن هذه المنظمات يوجد سلطة ومعارضة. والفردية في هذه المنظمات تدفع إلى الاحباط. نحن نعمل لصالح مجتمع وليس لصالح شخص محدد
باعتقادك كيف يجب أن تكون العلاقة بين الجيل الشاب والجيل القديم ضمن الحراك الديمقراطي السوري؟
الجيل الشاب يجب أن يبدأ عمله بشكل مستقل، وأن يتجاوز كبح الجيل القديم أو الحرس القديم في المعارضة
العلاقة بين الجيلين لن تكون جيدة، الجيل القديم يسعى نحو رضوخ الجيل الجديد لشروطه وأفكاره وآليات عمله
لعل أبرز ما يعانيه الكبار -الحرس القديم- في المعارضة كونهم عاصروا مرحلة الاعتقالات الجماعية الطويلة الأمد، وعاصروا أيضا أحداث الثمانينيات ويعون تماما قسوة النظام، الأمر الذي يجعلهم يعدون حتى المليون قبل أن يفكروا القيام بأي عمل أو نشاط، وهنا يبدأون إقصاء الشباب الذي من شأنه أن يحرج مواقعهم في حال تبين أن شباب المعارضة أكثر فاعلية من الكبار، فيبدأ صراع غير معلن بين الشباب والكبار يتمثل أحيانا بلوم الشباب ووصفهم بالطيش والتهور لتغطية الحقيقة، وهي أن الجيل القديم أو "الحرس القديم" يعاني من عقدة خوف لا تزال عالقة به
وهل تذهب خبرات ومعارف الجيل القديم هباء بدون أن يستفيد الجيل الجديد منها على الإطلاق؟
الحرس القديم في المعارضة عاصر لفترة ليست بقصيرة الحرس القديم في السلطة، الأمر الذي جعله يستمد معظم ثقافته منه. فخبرات الجيل القديم مستمدة من خبرات السلطة بالقمع والاقصاء والتهميش. الجيل القديم بارع في التهافت على النجومية وشن حملات ضد بعضهم البعض، ناهيك عن أن معظم عناصر الجيل القديم ليسوا ديمقراطيين داخل مؤسساتهم، الأمر الذي يجعلنا نتوقف عند مصداقية دعواتهم إلى الديمقراطية
هل هناك شخصية ضمن المعارضة تمثل رمزا أو قدوة لك؟
الأستاذ رياض الترك، على الرغم من أنه من الجيل القديم لكنه لا يحمل صفاته. أهم شيء أنه لا يحمل عقدة خوف في داخله، كثيرون من الجيل القديم لم يتغلبوا على حاجز الخوف ومع ذلك يرفضون أن يتنحوا ويتيحوا المجال للجيل الشاب
مشكلة الجيل الشاب أنه يرفض القديم وعاجز عن صناعة الجديد، أليس كذلك؟
مشكلة الجيل الجديد أنه مل من الإيديولوجيات، وأصيب بتخمة من التنظير، ووصل إلى مرحلة "القرف" من الجيل القديم، لذلك هو يرفض التعامل معه.فحتى لو بدأت محاولة للتعاطي بين الجيلين بهدف استيعاب الجيل الشاب نجد أن عناصر من الجيل القديم تتصدر لتشرح بدورها مشاكل الشباب كما تراها هي ولا تتيح للشباب أن يشرح مشاكله بنفسه. وفي النهاية على الشباب أن يقبلوا بهذا الواقع أو يتهموا بالطيش والتهور.أما الجيل الشاب عاجز عن صناعة شيء جديد لأن الوضع في البلد لا يسمح بالجديد. لا توجد حرية فكر، التجمعات ممنوعة، الحوار ممنوع، الجيل القديم مثلا "بخبراته وفلسفته" عاجز عن تقديم أي جديد
• على الصعيد الشخصي، ما هو الجهد الذي تقوم به لتبني فكرك وثقافتك الخاصة، لمن تقرأ وماذا تطالع؟
أقرأ المقالات السياسية والأخبار والأمور المتعلقة بحقوق الانسان من خلال الانترنت
والكتاب؟
حاليا أنا مكتفي بمصادر المعلومات من خلال التلفاز والإنترنت، في مرحلة سابقة كان لي اهتمام أكبر بقراءة الكتب سواء كتب جامعية أو ثقافية بشكل عام، قرأت داخل السجن عن العولمة وعن الديمقراطية، وعن المجتمع المدني وسيرورة التطور الديمقراطي فيه، ومهتم لحد ما بالكتب القريبة من نفس الموضوع
ماذا تقول لوالدتك وقد عانت ما عانت باعتقالك أنت ووالدك وأخوك في الوقت نفسه؟
أعتبر أن أمي صمدت أكثر منا جميعا. كان لديها ثلاثة معتقلين في نفس اللحظة، لم يكن هناك رجل في البيت، أتمنى لو يكون أخي بجانبنا الآن. أقول لها، الوضع بالتأكيد سيسير نحو الأفضل، حتى لو اعتقلنا مرة أخرى يجب أن تصمد وتصبر. خاصة وأن ما تحملته يجعلها معارضة بامتياز على الرغم من أنها لا تعمل في السياسة
(source)