top of page
Featured Posts

البطء

ما الذي قد يمنع لبنان من أن يعود حلواً أخضر كما كان. طمع الطامعين أم حسد الحاسدين؟ دمار الحرب أم الانقسامات السياسية أم عجز الميزانية أم تلوث الشاطئ أم رحيل العمالة الأجنبية؟!يبدو هذا الجميل المسجى في تعبه أقرب للحياة منه إلى أي شيء آخر. حياة لا مكان فيها للتسكع في البطء. تعاند باستمرار عقارب الساعات الراغبة بجره في الاتجاه الماضي.هذا بينما، تدوخني السرعة التي تمضي بها الأمور، أنا الجاثمة في البطء الأبدي.لِمَ اختفت متعة البطء، يتساءل ميلان كونديرا؟ وأضحك ملء قلبي

أحيا بالبطء منذ زمن بعيد. وهم أيضا. "في الوقت الذي أصبح فيه الاسترخاء في عالمنا هذا بطالة"، يقول صديقنا.فأنا، وهم أيضا، "متسكعو الزمن الغابر"، سكان الزمن الغابر. كلا، لسنا "هؤلاء المتشردون الذين يتسكعون من طاحونة إلى أخرى وينامون تحت أجمل نجمة"، بل أولئك المتشردين، الذين يتسكعون من حلم إلى آخر وينامون في ظل الصمت وقلقه. يتسكعون من معتقل إلى آخر، ولا يتاح لهم التأمل "في نوافذ الله"، فالنوافذ مغلقة بقضبانها. يتأملون ملياً فقط في هذا البطء الاستثنائي

ربما لأجل ذلك أنظر بمزيد من التفاؤل إلى لبنان الحلو الأخضر. حيث تخاض حرب حقيقية بدون أن تعلن حالة الطوارئ لألف عام. وحيث يطل وزير على شاشة التلفزيون، شاكراً المتطوعين والمنظمات المدنية على دورهم في الإعمار. فيما يطل البطء في وجهي بلسانه القبيح المتدلي، ناعتاً إياي بالمسيئة والمخربة.. وعميلة السرعة

كلما قرأت مقالة لكاتب لبناني، أحسست بوخزة خوف عميقة. فهذه العبارة تودي بصاحبها إلى السجن بتهمة نشر أخبار كاذبة، وتلك بتهمة النيل من هيبة الدولة، وأخرى بتهمة تحقير رئيس الجمهورية. "ألم يصل التقرير المغفل عنهم إلى البطء بعد؟" أقول في نفسي.. قبل أن أدرك أن القيد الداخلي أصبح أكبر كثيراً مما يحيط بي. أدرك لحظتها أيضاً، لماذا يمسكون بالزمن، ولماذا يمسك الزمن بنا

أستمتع بشيطنة السرعة الراكضة في التحليلات السياسية ودهاليز المؤامرات والتحالفات والولاءات والارتباطات. بنقطة الضوء اللامعة من وسط أنقاض المنازل وبقايا الذكريات وما تكدس من آمال. بالمقاومة الملونة التي لا تتقن إطلاق صاروخ أو استخدام بندقية، والمعمدة بالأمل وحب الحياة عن طريق الحياة. مقاومة معظم لبنان لأحكام الموت المتلاحقة والمتناثرة فوقه من هنا وهناك

كم أحسده، إذ أراه حيا وسط الركام، وأراني ميتة في ركن قصي من مدينتي

بلا زمن، ودّعنا قوافل معتقلين ومفقودين ومنفيين ومهاجرين ويائسين، وما زلنا

وبالزمن كله نستقبل خواء لحظاتنا، إلا من أفعال مقاومة متفرقة هنا وهناك. مقاومة للتسكع بالبطء ومراوحة الزمن عند لحظة اللاحرية

كما يتجول سائح بين أعمدة معبد قديم، ما زلنا نتجول تائهين ومذهولين بين كلمات لا يسمعها أحد غيرنا. قد تكون المشكلة في حبالنا الصوتية

إعادة إعمار؟

شيء شبيه يحدث لدينا.. ترميم يمكن أن نقول. ترميم لأوجاعنا وكوابيسنا

حديث البطء

أغلقت مقصلة أمن الدولة العليا بدمشق أبوابها القبيحة وفتحت نوافذها الأقبح، لأكثر من شهر. الإغلاق لدواعي أعمال الترميم والتجميل. جرى طلاء الجدران والنوافذ بالأبيض الجميل. والمار من هناك الناظر بزاوية عينه إليها، سيتساءل في أي عام نحن؟ هل حقا مضت كل تلك السنوات؟ وهل صلبت كل تلك الأعمار على هذا البياض؟ سيمضي سريعا قبل أن يلمح أشباحاً حاول الأبيض طمسها. وسيزهو البطء بنفسه: ما أجمل الزمن الخارج من جيبي، يقول

غثيان.. ما زلت أتحدث عن مقصلة أمن الدولة العليا. مملة وبطيئة

أقسى ما في هذا البطء، الإحساس بجمال السرعة في حياة الآخرين. من لا يصدق، فليسأل دمشق الراقدة بين سلطتها وإعلانها، تودّ لو تنظر نحو الأمام، لكن ليس لها إلا متابعة المتسابقين في الاتجاه المعاكس.كل شيء متعب في مدينتي، ويسير بلا زمن. لكن لا وقت لدي لأستمتع بالتسكع. علي أن أسرع.. أخاف أن يلتهمني البطء

(source)

bottom of page