top of page
Featured Posts

متطرفون..ضحايا تطرف

مع تزايد حملات الاعتقال في أوساط ما يسمى "بالإسلاميين المتشددين" في سوريا، ينتاب المرء شعور غامض يتأرجح ما بين القلق والشك

يزداد هذا الشعور غموضا مع الإعلان الرسمي عن كشف "خلايا متطرفة" بين حين وآخر. تبادل إطلاق نار، قتلى، أسلحة مصادرة، و"شهود عيان" يروون وقائع القبض على "الإرهابيين

هل انشقت الأرض السورية فجأة لترمي من جوفها مئات وآلاف الأصوليين؟؟ أم أن في الرواية الرسمية شيء/أو الكثير من المبالغة يقتضيه الشرط الدولي العام

وكما أنه لا يمكن الدفاع عن التطرف بشتى أنواعه، فلا يمكن بحال من الأحوال تبرير الانتهاكات الواسعة لحقوق الإنسان بحجة "مكافحة الإرهاب"، لا سيما وأن الاعتقالات التي شملت مختلف محافظات القطر، تمت على يد الأجهزة الأمنية نفسها التي تعتقل المثقفين والنشطاء السلميين بحجة الحفاظ على الأمن العام. كما أن محاكمة المعتقلين تتم أمام المحاكم الاستثنائية التي تعتمد في توجيه تهمها على ضبوطالأجهزة الأمنية، والتي بدورها تنتزع الاعترافات تحت شتى صنوف التعذيب

العديد من المعتقلين المفرج عنهم مؤخرا خلال الأشهر القليلة الماضية – بموجب انتهاء أحكامهم أو ضمن إفراج عام- لفتوا إلى تزايد أعداد المعتقلين على خلفية إسلامية بشكل كبير

عدد منهم ممن قضى فترات في السجن مع هؤلاء المتهمين بالتطرف، أراد إيصال رسالة تتعلق بهم، لإخراج الأمر من مجرد البيانات الصادرة عن المنظمات الحقوقية بأسماء وأعداد المعتقلين، فهناك ما يستحق أن يقال في هذا المجال

يجمع معظم من التقينا بهم على تزايد أعداد المعتقلين على خلفية إسلامية بشكل ملحوظ منذ بداية النصف الثاني من عام 2004 تقريبا، "معظم القادمين إلى سجن صيدنايا العسكري كانوا متهمين بأنهم إسلاميون متشددون، بغض النظر عن صحة الاتهام من عدمه" يقول أحد المفرج عنهم مؤخرا." كانوا يشكلون معظمنزلاء السجن، بضعة مئات، لكن أعتقد أن أعدادهم تضاعفت خلال الشهرين الماضيين، فهناك اعتقالات طالت الكثيرين مؤخرا

جدير بالذكر أن المعتقلين الجدد لا يرحلون مباشرة إلى السجون، بل يقضون عدة أشهر في الفروع الأمنية حتى انتهاء التحقيقات، ومن ثم يتم تحويلهم إلى سجن صيدنايا العسكري أو سجن عدرا- الجناح السياسي. فيما عدا الحالات التي تبقى في الفروع الأمنية لفترات أطول.أحد المفرج عنهم منذ شهرين يقول "كان هنالك حوالي 400 معتقل جديد في الفرع الأمني حيث كنت عشية الإفراج عني، معتقلين بتهمة الانتماء إلى "تنظيم جند الشام

لكن هل حقا يمثل هؤلاء المعتقلون تيارات إسلامية متشددة؟ وفقا لمن عايشهم، لا يمكن التعميم

"يختلف الأمر بين مجموعة وأخرى وبين معتقل وآخر. هناك متشددون وهناك معتدلون. البعض مقتنع بأفكار القاعدة لكنهم لم يمارسوا أي عمل مادي على أرض الواقع، البعض الآخر ليس لهم علاقة على الإطلاق بأي تيارات إسلامية ومع ذلك اعتقلوا على أنهم إسلاميون".يقول آخر "هناك قسم لا يمكن اعتباره (جهاديا) على الإطلاق. هم سلفيون، لكن لا يؤمنون بالفكر الجهاديالتكفيري، ولم يقوموا بأي فعل مخالف للقانون، بعضهم لم يقم حتى بالدعوة إلى ما يعتقدونه، وقد اعتقلوا فقط لأن أسماؤهم وردت بطريقة ما أثناء التحقيق مع آخرين، بعضهم الآخر اعتقلوا فقط لأن لحيتهم طويلة! اعتبر ذلك دليل إدانة ضدهم، مثل هؤلاء لا يتدخلون في السياسة، ولا يكفرون الحكام، ويشعرون بظلم رهيب لأنهم يعتقلون ويحاسبون على معتقداتهم التي لا تضر الآخرين بشيء

تعرفت إلى أحد الشباب من التيار السلفي، ولم يكن تكفيريا ولا جهاديا، حاول ثني أحد رفاقه عن الذهاب إلى أفغانستان، ومع ذلك اعتقل بعد فترة ولم تشفع له محاولته تلك مع صديقه، بل اتهم بالتستر عليه، هذا الشاب على خلاف كبير مع التكفيريين، ومع ذلك كان مصيره الاعتقال

جدير بالذكر، أن مثل هذه الاختلافات لا نجدها فقط بين الجماعات أو الأفراد، بل نلحظها داخل أفراد المجموعة الواحدة أيضا، " في المجموعة الواحدة يمكن أن نجد تكفيريين وغير تكفيريين، بمعنى أنه لا يمكن الإطلاق على الأفراد الذين يعتقلون ويحاكمون كمجموعة أنهم يمثلون مجموعة بالفعل تحمل الفكر نفسه.في كثير من الأحيان نجد في المجموعة الواحدة أشخاص لم يتعرفوا إلى بعضهم قبل الاعتقال.في إحدى المجموعات (12 معتقلا) هناك أشخاص لا يسلمون على بعضهم البعض نتيجة اختلاف أفكارهم

حتى بالنسبة للمتشددين منهم، هناك اختلاف في نوعية "التشدد" إن صح التعبير، "البعض يكون متشددا تجاه الخارج فقط، بمعنى الرغبة في "الجهاد" في العراق مثلا، وأعتقد من الطبيعي جدا أن نجد هذه الرغبة لدى العديدين، نحن نسمع يوميا في المساجد دعاء "اللهم انصر مجاهدينا في العراق"، هناك عامل ديني وتعبوي يلعب دورا في هذه الإطار، ونتيجة لذلك، فمعظمهم لا يستوعبون لماذا تم اعتقالهم أصلا وما المشكلة أو الخطأ في "الجهاد" في العراق. من هذا المنطلق فأنا أعتقد أن أغلبية السوريين مع الجهاد في العراق

أما عن المتشددين تجاه الداخل، أي المؤمنين بجواز القيام بعمل عنفي مناهض للسلطة أو أهداف غربية داخل الدول العربية والإسلامية، يرى معظم من التقينا بهم أنهم يشكلون قلة قليلة. وأن البعض تولد لديه هذا التشدد بعد دخوله السجن وليس قبل ذلك. وأنه حتى هؤلاء المؤمنين بالعنف الداخلي "يرون أنه غير مجدي على الأقل في الوقت الحالي، وإذا تم التطرق أثناء النقاش إلى مسألة العنف الداخلي، نجد معظمهم ينتقدونه، بدون أن يعني ذلك أنهم لا يكفرون النظام الحاكم، المسألة هنا هي مسألة موازنة بين المصلحة المرجوة والمفسدة المتوقعة، فهم يرون أنه إذا حدثت عمليات إرهابية في سوريا، فستؤدي إلى زيادة قمع النظام ومحاربة المسلمين "الملتزمين" دون تمييز، وهذه المفسدة أكبر من المصلحة المتوقعة من العملية.وبالتالي فالامتناع عن الفعل المادي لدى هؤلاء المؤمنين بالعنف الداخلي، ليس بسبب عدم شرعيتها- من الناحية الدينية- بالنسبة لهم وإنما بسبب التخوف من النتائج

لا يقتصر الاختلاف بين المعتقلين على خلفية إسلامية في درجة التشدد أو الاعتدال، هناك اختلاف في درجة التمتع بالعلم الشرعي والخبرة الحياتية، "من يتمتعون بهذا العلم وهذه الخبرة هم قلة في المجمل، ويكون سلوكهم عادة متوازن أكثر حتى لو كانوا من المتشددين".يقول آخر "إن معظم هؤلاء المعتقلين من صغار السن، في أول مرحلة الشباب، ويمكن بسهولة من خلال النقاش مع الكثير منهم ملاحظة افتقارهم إلى الثقافة حتى الفقهية منها، بعضهم مثلا كان يتحدث عن "محمد عبده" بالاستناد إلى ما سمع عنه من الآخرين فقط. كثيرون يتبنون ما يسمعونه من آخرين يثقون بهم، وإذا ناقشتهم بأفكارهم يعجزون عن الدفاع عنها

"مثلا، إن قتل موظف في هيئة إغاثة أو قتل صحفي ، ليس أمرا مقبولا بحد ذاته لدى الكثيرين، بل هم مقتنعون بأن مثل هذه الأعمال لها ما يبررها، يقولون، أكيد أن موظف الإغاثة أو الصحفي كان يتجسس لصالح الأمريكان وإلا لما قامت الجهة المعنية بقتله، بمعنى أن الثقة المطلقة ببعض الأشخاص أو الجهات تشكل مرجعية فكرهم أكثر من أي شيء آخر

و "بشكل عام، إذا عرف المرء كيف يحاورهم بأسلوبهم، يمكن تغييرهم، كثيرون يكون موقفهم نتيجة حنق وعواطف غاضبة تجاه إسرائيل وأمريكا، بمعنى أنها عوامل نفسية أكثر منها فكرية

في هذا الإطار جدير بالذكر أنه وفقا لشهادات المفرج عنهم ولما تشير إليه قوائم المعتقلين الخاصة بالمنظمات الحقوقية، فإن أعمار معظم المعتقلين تتراوح ما بين سن العشرين والثلاثين، القسم الآخر وهو أقل عددا، بين الثلاثين والأربعين، وقلة منهم تجاوزوا الأربعين

معظمهم من أرياف المدن لا سيما أرياف دمشق وحلب وحماة، لكن بشكل عام يوجد طيف يغطي كافة المحافظات السورية، قسم كبير منهم طلاب جامعة، لا سيما المجموعات التي اعتقلت مؤخرا.ولا يمكن تحديد مستوى مادي أو اجتماعي محدد لهم، هناك تنوع واختلاف

من ناحية أخرى، يجمع من التقينا بهم، على أن السجن والظروف المحيطة به بدءا من كيفية الاعتقال مرورا بالتحقيق والأحكام الصادرة عن المحاكم الاستثنائية، وانتهاء بالاختلاط الذي يجري بين المعتقلين من مختلف التيارات الإسلامية، تترك أثرها غالبا على المعتقلين.يقول أحد المفرج عنهم:" هناك مثلا مجموعة مكونة من أكثر من عشرين شابا، لم يكونوا متشددين حقا في بداية فترة اعتقالهم، بعضهم كانت لديه رغبة للذهاب إلى العراق، لكن مع الوقت انجذب معظمهم إلى التيار التكفيري الذي يمثله بعض المعتقلين

ويضيف آخر "السجن فرصة سانحة لاستقطاب العديد من الشبان إلى الفكر المتطرف، وهناك حالات لا يمكن تعميمها، تتمثل في ارتهان بعض المعتقلين المعتدلين إلى معتقلين آخرين متشددين في الأوقات التي تكون فيها الزيارات ممنوعة، وذلك لحاجتهم للمساعدة المادية والمعنوية في غياب التواصل مع العائلة

"كما يعمل السجن وظروفه السيئة خاصة في مراحل التحقيق الأولى، على توليد آثار سلبية جدا لديهم، ما يزيد في حدة تطرف المتطرفين وتغيير المعتدلين نحو الأسوأ"، يؤكد آخر

تدفع هذه الاختلافات ما بين المجموعات نفسها وأفراد المجموعة الواحدة إلى التساؤل عن إمكانية إطلاق تعبير التنظيم على هذه الجماعات، خاصة وأن معظم الاعتقالات تكون بشكل جماعي وتحال إلى القضاء الاستثنائي كقضية واحدة. يرى معظم من التقينا بهم أن "بعض المجموعات منظمة تنظيما بسيطا، كحلقات دروس أو جلسات مشتركة، في حالات قليلة يوجد أمير للجماعة، وفي حالات نادرة يوجد تدريب بدني أو على السلاح ممن كانوا ينوون الذهاب للعراق، لكن القسم الأكبر غير منظم، مثلا يعتقل شخص كان في العراق أو يريد الذهاب إلى هناك، ويكون قد عرض الفكرة على آخر، والآخر يتحدث بها إلى آخرين، لدى الاعتقال يعتقل الجميع، من أراد الذهاب بالفعل، ومن تحدث بالموضوع ومن سمع به.كثيرون معتقلون بشكل فردي، لمشاهدة فيلم "قرص ليزري" عن الشيشان أو أفغانستان، أو حيازة كتاب غير مسموح، أو الدعوة للفكر السلفي حتى لو كان لا يدعو لـ أو يعتزم الجهاد

في مناقشة أسباب نزوع بعض الشباب إلى التطرف، يجمع من التقيناهم على الأسباب الظاهرة من كبت الحريات ومنع العمل العلني والضغوط الأمنية الخانقة، هذا فضلا عن دور وسائل الإعلام، والظرف الدولي خاصة بعد احتلال العراق. ويضيف البعض عاملا آخر يصفونه ب" رد الفعل تجاه "مشايخ" السلطة، الذين يعتبرون في نظر هؤلاء الشباب منافقين وغير صادقين

فيما يرى آخرون، بأن "الأنظمة الاستبدادية تسهم في تشكيل هذه التيارات بشكل مباشر أحيانا وغير مباشر أحيانا أخرى، فمثلا يتم التشجيع على الذهاب للعراق مباشرة أو مداورة، ثم يتم منع أو معاقبة من يرغب بالذهاب، لماذا لا يتم سن قانون لمنع التوجه للعراق بهدف القتال في الوقت الذي يستمر فيه العمل بقانون يقضي بالإعدام على كل منتسب لتنظيم الإخوان المسلمين، لماذا لا يعلن خطباء الجوامع صراحة أن الجهاد في العراق أمر لا يجوز كي لا يبقى الموضوع ملتبسا لدى الناس؟

في جميع الأحوال، تبقى نسبة التكفيريين أو الجهاديين في المجتمع السوري ككل وفي "مجتمع" المعتقلين على خلفية إسلامية، تبقى نسبة ضئيلة وفقا للشواهد المتاحة حتى الآن، ولا ينبغي تضخيمها والمتاجرة بها، وفي الوقت نفسه يجب عدم تجاهلها أو إنكارها، فهي وفقا لأحد المعتقلين الإسلاميين المفرج عنهم " ظاهرة تتفاقم في كافة أنحاء العالم لأسباب لا داعي لتكرارها فجميعنا يعرفها، بل ينبغي التعامل معها بتعقل لأن مكافحتها لا يمكن أن تكون من خلال أقبية الفروع الأمنية، أو تطرف العلمانيين الذين يهاجمون كل ما هو إسلامي، من الضروري التنبه إلى أن خطأ التعامل مع هذا الملف هو بحد ذاته أحد العوامل المولدة للتطرف بمختلف أشكاله

(source)

bottom of page