top of page
Featured Posts

ثورة الأمهات

قبل عيد الأم بأيام، حضَرت قائمة بأسماء أمهاتي اللواتي أود تقبيل جبينهن في الحادي والعشرين من آذار. أربكني طول القائمة. أسعدني حجم المحبة التي جمعتنا على ألم. أحاط بي إحساس بالخشية ..من دمع أمي..بعدما أحرق روحي دمع بقية الأمهات

أمهاتي، منحنني شعورا لا متناهيا بالحياة. أسبلن ألوانا على المصطلحات والمفاهيم والمبادئ التي كنت أراها رمادية

أحسست الحرية أكثر، عندما أقسمت إحدى الأمهات عشية الإفراج عن ولدها المعتقل، أنها لن تعتبر ذلك نهاية المطاف، وأنها ستفعل ما بوسعها حتى يخرج جميع الأبناء الآخرين إلى الحرية. وفي اعتصام التاسع من آذار، كانت كقوس قزح في عتمة العنف والكراهية التي أشاعها "متظاهرو" الاستبداد

أحسست الأمل أكثر، عندما نهرتني والدة مفقود ، لأنني أوحيت لها بأن ولدها ربما يكون في عداد الأموات. قالت لي أنا أنتظر منذ أكثر من عشرين عاما، وسأنتظر مثلهم إن قدر لي أن أعيش، ولدي حي، ما لم يثبت العكس..سأقوم بالمستحيل كي أسترجع ولدي..أو جثمانه..إذا ثبت العكس

تعلمت أن لا أشعر بالتعب أو الملل من ما أقوم به كناشطة على الرغم من ضآلة النتائج. حدث ذلك من قراءتي المتأنية لكتاب أيام الآحاد السوداء أمام "محكمة" أمن الدولة العليا بدمشق. الكتاب المفتوح على أشكال الألم كلها. حيث اعتادت الأمهات القدوم كل أسبوع في غير موعد محاكمة أبنائهن. يقارعنعناصر الأمن والشرطة للتقدم خطوة أو خطوتين أقرب إلى باب "المحكمة"، يهوَن على بقية العائلات، ويحرصن على سؤال بقية الأمهات إن حصلن على زيارة الدقيقة بعد انتهاء "المحاكمة". تقول الأم " أتنشق رائحة ابني في بقية الشباب المعتقلين لحظة نزولهم من سيارة السجن" ، وتقول أخرى " كلهم أولادنا، بدنا نساندهم، الله يفرج عنهم

أحسست القوة أكثر، عندما شهدت حناجر الأمهات ترتفع بالدعاء ضد الظلم، أم تصرخ على سجاني ولدها، "هذه بلد ابني وبلدي مثلما هي بلدكم، تريدوننا أن نكفر بالوطن، لن نفعل

في البداية، كانت آلام هؤلاء الأمهات ودموعهن الثائرة دائما، تجعلني أرغب بموت رحيم. أي شيء في هذا العالم أقل وطأة من دمعة أم. مع الوقت، جعلتني تلك الدموع أشد توقا للحرية. لوطن لا أخشى فيه على دمع أمي

في عيد الأم، لم أمتلك الجرأة لمعايدة أي منهن. لا أعرف تماما ما الذي منعني. جميلات هن الأمهات الثائرات ضد الظلم. لكن ذلك أبدا لا يجعل من وقع دموعهن أقل حرقة

في المساء، شعرت بالأٍسى وأنا أقرأ الوسائل الإعلانية في الطرقات تحتفي ب" تكريم الأمهات"..بينما أتذكر كيف تكرم الأجهزة الأمنية وتوابعها الأمهات، بسرقة أبنائهن بموجب القوانين العرفية البغيضة، بالنهر والشتيمة والإهانة أمام "محكمة" أمن الدولة، وبالمنع من زيارة أبنائهن في السجون المغلقة، وإبقائهن في قعر من الألم و الانتظار بالإصرار على رفض الكشف عن مصير أبنائهن المفقودين

تلك بعض من قصص أمٍ سورية، جميلات هن الأمهات السوريات..أمهات الحرية

(source)

bottom of page