عن الحصرم ...وأشياء أخرى
عندما تنجح في مسابقة تقدمت بها إلى وظيفة ما ، فهذا يعني أن تنتظر رحمة أجهزة الأمن لتمنَ عليك بالموافقة على تولي الوظيفة. وإذا جاء رد هذه الأجهزة "مع عدم الموافقة " ، فذلك ليس فقط لأنك ربما تكون ناشطا سياسيا أو حقوقيا، أو أن لسانك أطول من اللازم ، بل أيضا لأن أبيك أو أخيك أو خالك أو عمك أو ربما ابن الجيران، مغضوب عليه أمنيا
وإذا كان من الممكن تفسير الحالة الأولى برغبة الأجهزة الأمنية التضييق عليك كناشط ، اقتصاديا ومعنويا ، بهدف معاقبتك على "الشغب" الذي تقوم به ، وفرض معاناة يومية تتمثل في البحث عن فرصة عمل لتأمين لقمة العيش، علها تصرفك عن شغبك وتضطرك لهجره .. فإن تفسير الحالة الثانية يكتنفه شيء من الغموض
فلعل الأجهزة الأمنية تخشى حد الذعر ، الشاب أو الشابة ممن له أو لها أصول "مشاغبة" ، ما يجعلها تحرص على إبعاد هذا الصنف من المواطنين عن جهاز الدولة التوظيفي بكافة فروعه وأشكاله وأصنافه، لإبعاد احتمال ظهور أي عوارض "شغبية" محتملة بالوراثة داخل هذا الجهاز
لكن هنا يثار سؤال منطقي على ما أعتقد، هل من المعقول أن هذا الجهاز من الضعف والتهالك بحيث لا يحتمل كائنات وجدت في جيناتها بالصدفة مورثات شغب، مع العلم أن هذه المورثات قد تكون ساكنة ، سلبية، وغير قابلة للفعل والتفاعل؟
أما الاحتمال الثاني، فيتمثل في رغبة الأجهزة الأمنية بالانتقام من الآباء – أو الإخوة ..أو أولاد الجيران..- عن طريق الأبناء.على مبدأ "الآباء يأكلون الحصرم والأبناء يضرسون".لكن هنا أيضا هل من المنطقي أن تنزل الأجهزة الأمنية ، بقدرها وجاهها ، إلى هذا الدرك الأسفل من التعامل غير الحضاري أو الإنساني أو الأخلاقي على الإطلاق
والاحتمال الأخير ، يفترض سياسة أمنية حكيمة تتمثل في متابعه نهج التخويف والتلويح بفزاعة الأمن عاليا في سماء المواطن ، بدءا من الجد إلى الابن إلى الحفيد إلى أحفاد الحفيد وهلم جرا .. ما يحافظ على حالة الشلل والسكون في أوساط المجتمع بمختلف فئاته ، ويضمن الإبقاء على جدار الخوف صلبا ومتينا ، فما أصاب الأب هو البداية ، لكنه ليس النهاية على الإطلاق..يقول لسان حال الأجهزة الأمنية للأبناء والأحفاد
على كل ، وبعيدا عن نظرية الجينات الوراثية أو الحصرم أو الجدار العازل، لا يدرك أولئك الحريصون على أمن البلد، ما الذي تقترفه أيديهم. قد يتحلى الآباء أصحاب القضية التي تعرضوا بسببها للاعتقال أو النفي بالوعي الكافي الذي لا يؤدي إلى مساس ارتباطهم بالوطن بحال من الأحوال، لكن الأبناء الذين يعانون بسبب تركة الجيل الذي سبقهم، مهما كان شكل هذه المعاناة ، بدءا من عدم القدرة على العودة إلى البلاد للمنفيين وليس انتهاء بالتضييق على الموجودين داخل الوطن في الأمور الوظيفية وغيرها ، هؤلاء الأبناء ، يقفون في منطقة الخطر، بين الانتماء واللاانتماء ، قد لا يدركون تماما طبيعة مشاعرهم تجاه وطن لم يقدم لهم إلا المعاناة لأسباب لا يد لهم فيها: حقد، حب يشوبه العتب، كره متألم
لعلنا يجب أن نسأل أصحاب الشأن عن ذلك ، نسأل مصعب الحريري الطفل الذي اعتقل بجريرة والده المقيم فى المنفى ، نسأل غياث فرحان الزعبي، الذي يقضى زهرة شبابه في بحث محموم عن سراب والده ، نسأل الصبية خولة التي رفض طلب توظيفها أمنيا بسبب والدها المقيم في المنفى..أو ربما نسأل حكومتنا وأجهزة أمننا ، لمصلحة من يتم تغريب أجيالنا الناشئة عن وطنهم ؟! قد يكون الجواب ، أن ذلك لحفظ الأمن والأمان..في دولة موازمبيق الشقيقة..ودمتم
(source)