مقصلة الحقوق و الحريات
محكمة" أمن الدولة تحكم "بقتل" مواطنين متهمين "بالإرهاب"، هدية المحكمة في عيد رأس السنة، كما هداياها المتوالية طوال أيام العام لمواطنين من مختلف الانتماءات، ولمتهمين بمختلف صنوف التهم من مناهضة أهداف الثورة إلى نشر الأخبار الكاذبة إلى محاولة اقتطاع جزء من أراضي الدولة وضمها إلى دولة أجنبية............. إلى القيام بأعمال إرهابية
أقول أنها حكمت "بقتل"، لأنها ليست بمحكمة، قانونها هو اللاقانون، وعدالتها أن تظلم
أكثر ما فيها هزلية اسمها "محكمة"، الذي يهين مفهوم القضاء والعدالة وتمارس شتى أنواع العسف تحت غطائه
بالطبع ليست هي المرة الأولى التي تقرر فيها إنهاء حياة مواطنين خلافا للقانون، ولن تكون الأخيرة طالما أنها بقيت سيفا مسلطا على رقبة العدالة
والقضية ليست ماذا ارتكب المواطنان اللذان حكمت عليهما بالموت. هل هما "مجموعة أصولية متطرفة معزولة" وفقا لوزارة الداخلية، أم "لهما صلات بالقاعدة" وفقا لوزارة الإعلام، أم كانا "من المقاتلين في العراق" وفقا لإحدى الصحف العربية. هل استخدما السلاح، تسببا بمقتل أبرياء، اختلسا ونهبا..؟ باعتقادي هذا كله ليس مهما. مهما تكن فداحة الجرم المرتكب لا بد من قضاء عادل لمحاكمته، لا بد لقانون عادل من أن يطبق عليه، لا بد من توفر حقوق الدفاع، لا بد من حق الاستئناف والطعن. هكذا علمتنا كلية الحقوق في دمشق، ولم تذكر لنا أبدا أن قضية بمثل هذه الخطورة تستحقعقوبة الإعدام، تجري محاكماتها خلال أربع جلسات فقط في محكمة استنثائية أحكامها غير قابلة للطعن أو الاستئناف
هكذا تقول القوانين في مختلف أنحاء العالم، إلا في سورية
في سورية، يُحاكَم الحدث مصعب الحريري ابن الأربعة عشر عاما أمام محكمة استثنائية، تخصص مادة معينة من القانون لمحاكمة جميع المعتقلين الأكراد الذين يهدفون إلى "اقتطاع جزء من أراضي الدولة"، يُتَّهَم دعاة الديمقراطية بمحاولة تغيير الدستور، تلقى المحاضرات في الوطنية ومبادئ حزب البعث على قوس المحكمة على مسامع المحامين، وتوجه النصائح الغنية "للمتهمين"، (القاضي يستجوب أحد الشبان الأكراد الخمسة عشر المعتقلين على خلفية أحداث آذار الماضي، يسأله عن عصر المماليك باعتباره طالباً في كلية التاريخ، وحين يتلعثم الشاب يوجه له نصيحة تقول "ادرس التاريخ منيح يا وَلُ...). في سورية مأساة هزلية اسمها محكمة أمن الدولة
مأساة لأنها مستمرة في انتهاك القانون والحقوق والحريات، ومأساة لأننا – كحقوقيين- مستمرون في السكوت على انتهاكاتها، راضخون لأحكامها المتعسفة، ولأننا كنشطاء مقصرون في تصعيد الاحتجاج ضدها ووضعها على سلم الأولويات في أجندة النضال من أجل حقوق الإنسان السوري
وعود على بدء، فإن صدور حكم بالإعدام عن محكمة استثنائية تفتقر لأدنى مقومات العدالة لا يجوز أن يمر مرور الكرام، ودعاوى ارتكاب المتهمين أعمال "إرهابية" يجب أن لا يثنينا عن رفض إنهاء حياة شخص بدون الضمانات القانونية اللازمة. فالجهة التي حكمت بالإعدام اليوم على "إرهابيين" هي نفسها التي أصدرت الحكم نفسه في العقود الماضية ضد النشطاء السياسين ومعتقلي الرأي، وهي التي تستمر في إصدار أحكامها ضد النشطاء والمنفيين العائدين إلى وطنهم والمواطنين المعتقلين بموجب تقارير مغفلة..ضد جميع معتقلي العهد الجديد، عهد الإصلاح، الذي لن يكون بالإمكان الحديث عن إصلاحاته المفترضة في ظل وجود مقصلة حقوق وحريات اسمها محكمة أمن الدولة
(source)